اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ تَسۡمِيَةَ ٱلۡأُنثَىٰ} (27)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة لَيُسَمُّونَ الملائكة تَسْمِيَةَ الأنثى } اعلم أن المراد بالذين لا يؤمنون بالآخرة هم الذين لا يؤمنون بالرسل ، لأن كل من آمن بالرسل اعترف بالحشر ، وذلك أنهم كانوا يقولون : الملائكة وجدوا من الله فهم أولاده بمعنى الإيجاد ، ثم رأوا في الملائكة تاء التأنيث ، وصحَّ عندهم أن يقال : سَجَدَت الملائكة ، فقالوا : بنات الله فسمَّوهُمْ تسميةَ الإناث .

فإن قيل : كيف يصح أن يقال : إنهم لا يؤمنون بالآخرة مع أنهم كانوا يقولون : هؤلاء شفعاؤُنَا عند الله وكان من عادتهم أن يربطوا مركوباً على قبر مَنْ يموت ، ويعتقدون أنه يحشر عليه ؟

فالجواب من وجهين :

أحدهما : أنهم ما كانوا يجزمون به ، بل كانوا يقولون : إنه لا حشر ، فإن كان فلنا شفعاءُ بدليلِ ما حكى الله عنهم { وَمَا أَظُنُّ الساعة قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى } [ فصلت : 50 ] .

الثاني : أنهم ما كانوا يعترفون بالآخرة على الوجه الذي ورد به الرسل .

فصل

وأما مناسبة هذه الآية لما قبلها فهي أنهم لما قيل لهم : إنَّ الصَّنَمَ جمادٌ لا يشفع ، وبين لهم أن أعظمَ أجناس الخلق لا شفاعة لهم إلا بالإذن قالوا : نَحْنُ لا نَعْبُدُ الأصنام لأنها جمادات وإنما نعبد الملائكة بعبادتها فإنها على صورها ونضعها{[53591]} بين أيدينا لنذكر بالشاهد الغائب فنعظم الملك المقرب فرد الله عليهم بهذه الآية أي كيف تعظموهم وأنتم تسموهم تسمية الإناث{[53592]} ؟

فإن قيل : كيف قال تسمية الأنثى ولم يقل : تسمية الإناث ؟

فالجواب : أن المراد بيان الجنس وهذا اللفظ أليق بهذا الموضع لمؤاخاة رؤوس الآي . أو يقال : إنه لو قال الإناث لأوهم أعلام إناث ، كعائشةَ وفاطمةَ . والمراد إنما هو البنات{[53593]} . وقد تقدمت شبهتهم .


[53591]:في الرازي: وتنصبها.
[53592]:وانظر الرازي 28/308 بالمعنى.
[53593]:المرجع السابق.