وهنا يصل بنا السياق إلى أصحاب الشمال - وهم أصحاب المشأمة الذين سبقت الإشارة إليهم في مطلع السورة :
وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ? في سموم وحميم . وظل من يحموم . لا بارد ولا كريم . إنهم كانوا قبل ذلك مترفين . وكانوا يصرون على الحنث العظيم . وكانوا يقولون : أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون ? أو آباؤنا الأولون ? قل : إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم . ثم إنكم أيها الضالون المكذبون . لآكلون من شجر من زقوم . فمالئون منها البطون . فشاربون عليه من الحميم . فشاربون شرب الهيم . هذا نزلهم يوم الدين . .
فلئن كان أصحاب اليمين في ظل ممدود وماء مسكوب . . فأصحاب الشمال ( في سموم وحميم وظل من يحموم ، لا بارد ولا كريم ) . . فالهواء شواظ ساخن ينفذ إلى المسام ويشوي الأجسام . والماء متناه في الحرارة لا يبرد ولا يروي . وهناك ظل ! ولكنه ( ظل من يحموم ) . . ظل الدخان اللافح الخانق . . إنه ظل للسخرية والتهكم ظل( لا بارد ولا كريم ) . . فهو ظل ساخن لا روح فيه ولا برد ؛ وهو كذلك كز لا يمنح وراده راحة ولا إنعاشا . .
السموم : حر نار ينفذ في المسام .
الحميم : الماء الشديد الحرارة .
42- { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } .
السموم : ريح حارة تدخل في المسام ، فتمرض أو تقتل .
والأولى أن يقال : هي هواء متعفن يتحرك من جانب إلى جانب ، فإذا استنشق الإنسان منه ، يفسد قلبه بسبب العفونة ويقتله .
وحميم : ماء متناه في الحرارة ، قال تعالى : وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم . ( محمد : 15 ) .
يحموم : دخان حار شديد السّواد .
لا بارد : لا هو بارد كسائر الظلال .
ولا كريم : ولا دافع أذى الحرّ لمن يأوي إليه ، بل هو حار ضار .
مترفين : منعمين مقبلين على لذات أنفسهم ، لا يلوون على شيء مما جاء به الرسل .
الحنث العظيم : الذنب الكبير ، وهو الشرك بالله ، وجعل الأوثان والأنداد أربابا من دون الله .
الميقات : ما وقّت به الشيء ، والمراد به يوم القيامة ، وسمي به لأنه وقّت به الدنيا .
شجر الزقوم : شجر ينبت في أصل الجحيم ، كريه المنظر والرائحة .
الهيم : الإبل العطاش التي لا تُروى لداء يصيبها ، فتشرب حتى تموت ، أو تسقم سقما شديدا .
" في سموم " والسموم الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن . والمراد هنا حر النار ولفحها . " وحميم " أي ماء حار قد انتهى حره ، إذا أحرقت النار أكبادهم وأجسادهم فزعوا إلى الحميم ، كالذي يفزع من النار إلى الماء ليطفئ به الحر فيجده حميما حارا في نهاية الحرارة والغليان . وقد مضى في " محمد{[14651]} " " وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم " [ محمد : 15 ] .