ولا تبكون : حزنا على ما فرطتم ، وعند سماع وعد الله ووعيده .
59 ، 60 ، 61 ، 62 { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا } .
أتعجبون من هذا القرآن وتميّزه وعظمته ، ثم لا تخضعون له ولا تؤمنون به ، ولا تستجيبون للمنزَّل عليه ، بل تسخرون من آياته ، وتضحكون منه مع كونه غير محل للضحك ، ولا تبكون على تفريطكم في أمر الله ، أو لا تبكون خوفا من القيامة وأهوالها .
ثم توعد المنكرين لرسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، المكذبين لما جاء به من القرآن الكريم ، فقال : { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } ؟ أي : أفمن هذا الحديث الذي هو خير الكلام وأفضله وأشرفه تتعجبون منه ، وتجعلونه من الأمور المخالفة للعادة الخارقة للأمور [ والحقائق ] المعروفة ؟ هذا من جهلهم وضلالهم وعنادهم ، وإلا فهو الحديث الذي إذا حدث صدق ، وإذا قال قولا فهو القول الفصل الذي ليس بالهزل ، وهو القرآن{[916]} العظيم ، الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ، الذي يزيد ذوي الأحلام رأيا وعقلا ، وتسديدا وثباتا ، وإيمانا ويقينا والذي{[917]} ينبغي العجب من عقل من تعجب منه ، وسفهه وضلاله .
قوله تعالى : " أفمن هذا الحديث " يعني القرآن . وهذا استفهام توبيخ " تعجبون " تكذيبا به . " وتضحكون " استهزاء " ولا تبكون " انزجارا وخوفا من الوعيد . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رئي بعد نزول هذه الآية ضاحكا إلا تبسما . وقال أبو هريرة : لما نزلت " أفمن هذا الحديث تعجبون " قال أهل الصفة : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ثم بكوا حتى جرت دموعهم على خدودهم ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بكاءهم بكى معهم فبكينا لبكائه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يلج النار من بكى من خشية الله ولا يدخل الجنة مصر على معصية الله ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيغفر لهم ويرحمهم إنه هو الغفور الرحيم ) . وقال أبو حازم : نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يبكي ، فقال له : من هذا ؟ قال : هذا فلان ، فقال جبريل : إنا نزن أعمال بني آدم كلها إلا البكاء ، فإن الله تعالى ليطفئ بالدمعة الواحدة بحورا من جهنم .