التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{أَفَمِنۡ هَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ تَعۡجَبُونَ} (59)

{ هذا نذير من النذر الأولى( 56 ) أزفت1 الأزفة2 ( 57 ) ليس لها من دون الله كاشفة ( 58 ) أفمن هذا الحديث تعجبون( 59 ) وتضحكون ولا تبكون( 60 ) وأنتم سامدون3( 61 ) فاسجدوا لله واعبدوا( 62 ) } [ 56-62 ] .

في الآيات توكيد بأن الإنذار القرآني الذي يبلغه النبي صلى الله عليه وسلم للناس هو من جنس النذر الأولى التي أرسلها الله على لسان رسله الأولين ، وهتاف بقرب مجيء يوم القيامة الذي ليس لأحد منه معاذ إلا الله والاستجابة لدعوته ، وخطاب تنديدي موجه إلى الكفار بسبب مقابلتهم نذير الله وقرآنه بالعجب والضحك والإعراض في حين أن الأولى بهم أن يخافوا ويبكوا من هول ما ينذرون به ، وقد انتهت الآيات بأمر السامعين بالسجود لله وعبادته كأنما تهتف بهم بأن هذا هو ما يجب أن يفعلوه .

والآية الأخيرة يمكن أن تكون موجهة إلى المؤمنين حثا لهم على عدم الاهتمام بموقف الكفار وما هم فيه من لهو وضحك ، والإقبال على عبادة الله والتقرب إليه كما يمكن أن تكون موجهة إلى الكفار استمرار على الخطاب الموجه إليهم .

والآية الأولى خاصة جاءت معقبة على الآيات السابقة فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليست بدعا يستدعي الاستغراب ويثير العجب . والقرآن ليس هو الكتاب الوحيد الذي أوحى الله به . وهذا وذاك مما جرى من سنن الله في إنذار البشر منذ الأزمنة الأولى كما أنهما متصلان في أهدافهما ومضامينهما بما أرسل الله من رسل وأوحى إليهم من كتب ، وهذا المعنى قد تكرر كثيرا في القرآن ، والمتبادر أنه استهدف تأنيب الكفار على مواقفهم من جهة وتقرير وحدة الأسس والمصدر بين دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوة الأنبياء السابقين عليهم السلام من جهة أخرى ، ولما كان السامعون والكفار منهم يعرفون خبر رسالات الرسل السابقين كانت الحجة قد قامت عليهم .

والآية الثانية وإن كان يبدو من ظاهرها أنها تتضمن معنى اقتراب يوم القيامة فإن روحها تلهم أنها بقصد الإنذار بهذا اليوم مطلقا إنذار فيه إرهاب وقطعية ، على اعتبار أن الشيء الذي لابد من مجيئه وشهوده واقع لا ريب فيه ومقترب إليهم . فكأنما أريد تذكير السامعين وخاصة المكذبين بأسلوب إنذاري حاسم أن ما يظنونه غير ممكن أو غير حقيقي أو بعيد الاحتمال هو أمر حقيقي لا ريب فيه ، ولا يقيهم من هوله إلا اللجوء إلى الله والاستجابة إلى دعوة نبيه ، وفي هذا من التلقين وقوة الوازع ما فيه .