32- { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } .
لقد يسرنا القرآن للتذكر والاتعاظ والاعتبار بالأحداث والوقائع ، فهل من متعظ ومعتبر ؟
" وهذا العذاب الذي أصاب ثمود ، عُبر عنه في سورة هود بالصيحة ، قال تعالى :
{ وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين } . ( هود : 67 ) .
وعبر عنه في سورة الأعراف بالرجفة ، قال تعالى :
{ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين } . ( الأعراف : 78 ) .
وعبر عنه في سورة فصلت بالصاعقة ، قال تعالى :
{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } . ( فصلت : 17 )
وعبر عنه في سورة الحاقة بالطاغية ، قال تعالى :
{ فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية } . ( الحاقة : 5 )
ولا تعارض بين هذه التعبيرات ، لأنها متقاربة في معناها ، ويكمّل بعضها بعضا ، وهي تدل على شدة ما أصابهم من عذاب " ix .
وعند التأمل نجد أن القرآن الكريم سمّى عذابهم بالصيحة والرجفة والصاعقة والطاغية ، وكلها أمور تلازم حادثة الهلاك المدمّر التي نزلت بهم ، عندما يصيح الملاك بهم صيحة شديدة ترتجف الأرض بهم ، ثم تأخذهم صاعقة مهلكة ، وقد تكون الصيحة صاعقة ، أو تكون الصاعقة أثرا من آثار الصيحة ، وتسمى طاغية لأنها تعبّر عن التدمير المهلك ، الذي طغى على الهدوء والنعمة والرخاء الذي كانوا يتمتعون به .
إن هناك ناموسا إلهيا أوجده الله ، نراه في هدوء الكون وامتثاله ، ومع هذا فإن هناك ناموس الانتقام العادل من الطغاة البغاة ، بصيحة صاعقة راجفة طاغية ، وكلها تعبّر عن الهلاك المُدمِّر الذي أصاب هؤلاء الباغين .
ولما كان التقدير : فلقد أبلغنا في الموعظة لكل من يسمع هذه القصة ، عطف عليه قوله مؤكداً لأجل من يعرض عن هذا القرآن ويعلل إعراضه عنه بصعوبته : { ولقد يسرنا } أي على ما لنا من القدرة والعظمة { القرآن } أي الكتاب الجامع لكل خير ، الفارق بين كل ملبس { للذكر } أي الحفظ والتذكير والتذكر وحصول النباهة به والشرف إلى الدارين . ولما كان هذا غاية في وجوب الإقبال عليه لجميع المتولين ، قال : { فهل من مدكر * } أي ناظر فيه بسبب قولنا هذا بعين الإنصاف والتجرد عن الهوى ليرى كل ما أخبرنا به فنعينه عليه .
قوله : { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } جعل الله القرآن بينا ميسورا . فهو واضح النظم والمبنى ، عظيم المدلول والمعنى لمن أراد أن يتدبر أو يتفكر فينتفع بآياته واحكامه وعلومه{[4409]} .