وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه{[30565]} البغدادي ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن يونس ، عن الحسن ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في جهنم لواديا{[30566]} تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة ، أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد : لحامل كتاب الله ، وللمصدق في غير ذات الله ، وللحاج إلى بيت الله ، وللخارج في سبيل الله " . {[30567]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو نُعَيم ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة قال : كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء ، فقال رجل يكنى بأبي يزيد : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سَمَّع الناس بعمله ، سَمَّع الله به سامعَ خلقه ، وحَقَّره وصَغَّره " . {[30568]}
ورواه أيضا عن غُنْدَر ويحيى القطان ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن رجل ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . {[30569]}
ومما يتعلق بقوله تعالى : { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } أن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس ، فأعجبه ذلك ، أن هذا لا يعد رياء ، والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا مخلد بن يزيد ، حدثنا سعيد بن بشير ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : كنت أصلي ، فدخل علي رجل ، فأعجبني ذلك ، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " كتب لك أجران : أجر السر ، وأجر العلانية " . {[30570]}
قال أبو علي هارون بن معروف : بلغني أن ابن المبارك قال : نعم الحديثُ للمرائين .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، وسعيد بن بشير متوسط ، وروايته عن الأعمش عزيزة ، وقد رواه غيره عنه .
قال أبو يعلى أيضا : حدثنا محمد بن المثنى بن موسى ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو سِنان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رجل : يا رسول الله ، الرجل يعمل العمل يَسُرُّه ، فإذا اطُّلعَ عليه أعجبه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " له أجران : أجر السر ، وأجر العلانية " . {[30571]}
وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى ، وابن ماجة عن بُنْدَار ، كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني{[30572]} ، واسمه : ضرار بن مرة . ثم قال الترمذي : غريب ، وقد رواه الأعمش وغيره . عن حبيب عن [ النبي صلى الله عليه وسلم ]{[30573]} مرسلا .
وقد قال أبو جعفر بن جرير : حدثني أبو كُرَيْب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن شيبان النحوي ، عن جابر الجعفي ، حدثني رجل ، عن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية : { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } قال : " الله أكبر ، هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا ، هو الذي إن صلى لم يَرْجُ خير صلاته ، وإن تركها لم يخف ربه " . {[30574]}
فيه جابر الجعفي ، وهو ضعيف ، وشيخه مبهم لم يُسَم ، والله أعلم .
وقال ابن جرير أيضا : حدثني زكريا بن أبان المصري ، حدثنا عمرو بن طارق ، حدثنا عِكْرمِة بن إبراهيم ، حدثني عبد الملك بن عمير{[30575]} ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن : { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } قال : " هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها " . {[30576]}
وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية ، أو صلاتها بعد وقتها شرعا ، أو تأخيرها عن أول الوقت [ سهوا حتى ضاع ]{[30577]} الوقت .
وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فَرُّوخ ، عن عكرمة بن إبراهيم ، به . ثم رواه عن أبي الربيع ، عن جابر ، عن عاصم ، عن مصعب ، عن أبيه موقوفًا{[30578]} وهذا أصح إسنادًا ، وقد ضعف البيهقي{[30579]} رفعه ، وصحح وقفه ، وكذلك الحاكم .
وقوله تعالى : { الذين هم يراؤون } بيان أن صلاة هؤلاء ليست لله تعالى بنية إيمان ، وإنما هي رياء للبشر ، فلا قبول لها ، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو الأشهب : «يرؤن » مهموزة مقصورة مشددة الهمزة{[11999]} ، وروي عن ابن أبي إسحاق : «يرؤون » بغير شد في الهمزة .
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله : { هم يراءون } لتقوية الحكم ، أي تأكيده .
فأما على القول بأن السورة مدنية أو بأن هذه الآيات الثلاث مدنية يكون المراد بالمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون والصلاتِ بعدها : المنافقين ، فإطلاق المصلين عليهم بمعنى المتظاهرين بأنهم يصلون وهو من إطلاق الفعل على صورته كقوله تعالى : { يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة } [ التوبة : 64 ] أي يظهرون أنهم يحذرون تنزيل سورة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ الذين هم يراءون } الناس في الصلاة ، يقول : إذا أبصرهم الناس صلوا ، يراءون الناس بذلك ، ولا يريدون الله عز وجل بها . ...
قال مالك : هم المنافقون الذين يراءون بصلاتهم ، يري المنافق الناس أنه يصلي طاعة ، وهو يصلي تقية ، والفاسق أنه يصلي عبادة ، وهو يصلي ليقال : إنه يصلي . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
الذين هم يراؤون الناس بصلاتهم إذا صَلّوْا ؛ لأنهم لا يصلّون رغبةً في ثواب ، ولا رهبةً من عقاب ، وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنونهم منهم ، فيكفون عن سفك دمائهم ، وَسبْي ذراريهم ، وهم المنافقون الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يستبطنون الكفر ، ويُظهرون الإسلامَ .
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدهما : المنافقون الذين يراءون بصلاتهم ، يصلّونها مع الناس إذا حضروا ، ولا يُصلّونها إذا غابوا ، قاله علي وابن عباس .
الثاني : أنه عامّ في ذم كل من راءى بعمله ، ولم يقصد به إخلاصاً لوجه ربه .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
قلت : هي مفاعلة من الإراءة ؛ لأنّ المرائي يري الناس عمله ، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به ، ولا يكون الرجل مرائياً بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة ، فمن حقّ الفرائض الإعلان بها وتشهيرها ....وإن كان تطوعاً ، فحقه أن يخفى : ؛ لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه ؛ فإن أظهره قاصداً للاقتداء به كان جميلاً ، وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين ، فيثنى عليه بالصلاح . وعن بعضهم : أنه رأى رجلاً في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها ، فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك ؛ وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة ؛ على أن اجتناب الرياء صعب إلاّ على المرتاضين بالإخلاص ....
{ الذين هم يراءون } فاعلم أن الفرق بين المنافق والمرائي ؛ أن المنافق هو المظهر للإيمان المبطن للكفر ، والمرائي المظهر ما ليس في قلبه من زيادة خشوع ليعتقد فيه من يراه أنه متدين ، أو تقول : المنافق لا يصلي سرا والمرائي تكون صلاته عند الناس أحسن . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ الذين هم } أي بجملة سرائرهم { يرآؤون } أي بصلاتهم وغيرها يرون الناس أنهم يفعلون الخير ليراهم الناس فيروهم الثناء عليهم ، والإحسان إليهم ، ولو بكف ما هم يستحقونه من السيف عنهم ، لا لرجاء الثواب ، ولا لمخوف العقاب من الله سبحانه وتعالى ، ولذلك يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنهم يصلون رياء للناس لا إخلاصا لله . ومن ثم هم ساهون عن صلاتهم وهم يؤدونها . ساهون عنها لم يقيموها . والمطلوب هو إقامة الصلاة لا مجرد أدائها . وإقامتها لا تكون إلا باستحضار حقيقتها والقيام لله وحده بها .
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{ الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } فيصلّون أو يعملون الخير ، أو يتحركون في اتجاه الأعمال العامة ، ليراهم الناس وهم يفعلون ذلك ، لا ليرضى الله عنهم ، فهم لا يعيشون عمق المعنى الروحي أو العبادي للعمل الصالح ؛ بل يتحركون في سطحه الظاهر البعيد عن كل عمقٍ في ما هي العقيدة والإيمان .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الصفة الرابعة والخامسة للمكذبين بالدين تذكرها الآيتان الأخيرتان . { الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون } . من المؤكّد أنّ أحد عوامل التظاهر والرياء عدم الإيمان بيوم القيامة ، وعدم الانشداد بطلب الثواب الإلهي . وإلاّ كيف يمكن للإنسان أن يترك مثوبة اللّه ويتجه إلى النّاس ليتزلف إليهم ؟ !