تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} (2)

{ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } للخلق ، فاستضاءوا بنوره ، وانتشروا في مصالحهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} (2)

قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة : أنه قدم الشام فدخل مسجد دمشق ، فصلى فيه ركعتين وقال : اللهم ، ارزقني جليسًا صالحًا . قال : فجلس إلى أبي الدرداء ، فقال له أبو الدرداء : ممن أنت ؟ قال : من أهل الكوفة . قال : كيف سمعت ابن أم عبد يقرأ : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } ؟ قال علقمة : " والذكر والأنثى " . فقال أبو الدرداء : لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال هؤلاء حتى شككوني . ثم قال : ثم ألم يكن فيكم صاحب الوساد وصاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره ، والذي أجير من الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ؟{[30152]} .

وقد رواه البخاري هاهنا ومسلم ، من طريق الأعمش ، عن إبراهيم قال : قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء ، فطلبهم فوجدهم ، فقال : أيكم يقرأ على قراءة عبد الله ؟ قالوا : كلنا ، قال : أيكم أحفظ ؟ فأشاروا إلى علقمة ، فقال : كيف سمعته يقرأ : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } ؟ قال : " والذكر والأنثى " . قال : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا ، وهؤلاء يريدوني أن أقرأ : { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى } والله لا أتابعهم{[30153]} .

هذا لفظ البخاري : هكذا قرأ ذلك ابن مسعود ، وأبو الدرداء - ورفعه أبو الدرداء - وأما الجمهور فقرأوا ذلك كما هو مُثبَت في المصحف الإمام العثماني في سائر الآفاق : { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى }

فأقسم تعالى ب { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } أي : إذا غَشيَ الخليقةَ بظلامه ،

{ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } أي : بضيائه وإشراقه ، { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى } كقوله : { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا } [ النبأ : 8 ] ، وكقوله : { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [ الذاريات : 49 ] .


[30152]:- (1) المسند (6/449) وتكملة الحديث "وصاحب الوساد: ابن مسعود، وصاحب السر: حذيفة، والذي أجير من الشيطان: عمار".
[30153]:- (2) صحيح البخاري برقم (4944) وصحيح مسلم برقم (824).

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} (2)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالْلّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ * وَالنّهَارِ إِذَا تَجَلّىَ * وَمَا خَلَقَ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ * إِنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّىَ * فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ * وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىَ * وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىَ * وَكَذّبَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ } .

يقول تعالى ذكره مُقسِما بالليل إذا غَشّى النهار بظلمته ، فأذهب ضوءه ، وجاءت ظُلمته : واللّيْلِ إذَا يَغْشَى النهار والنّهارِ إذا تَجَلّى وهذا أيضا قسم ، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار ، وظهر للأبصار ، ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإيتانه إياها عيانا . وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعِظَم شأنه عنده ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى والنّهارِ إذَا تَجَلّى قال : آيتان عظيمتان يكوّرهما الله على الخلائق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} (2)

والنهار إذا تجلى ظهر بزوال ظلمة الليل أو تبين بطلوع الشمس .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} (2)

و أقسم الله ب { النهار إذا تجلى } ، أي ظهر وضوى الآفاق{[11854]} ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

تجلى السرى من وجهه عن صحيفة . . . على السير مشراق كريم شجونها{[11855]}


[11854]:ضوأ الشيء: أضاءه أي جعله مضيئا.
[11855]:تجلى الشيء: انكشف ووضح وظهر، وهو موضع الاستشهاد هنا، والسرى: السير ليلا، وقيل: هو سير الليل كله، تذكره العرب وتؤنثه. والصبيحة هي الصباح، وهو نقيض المساء، ومثلهما الإصباح. والمشراق: الموضع الذي تشرق عليه الشمس فينير، والشجن: هوى النفس وحاجاتها أينما كانت، وجمعه أشجان وشجون، ومن ذلك قول الشاعر: ذكرتك حيث استأمن الوحش والتقت رفاق به، والنفس شتى شجونها
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} (2)

والتجلّي : الوضوح ، وتجلي النهار : وضوح ضيائه ، فهو بمعنى قوله : { والشمس وضحاها } [ الشمس : 1 ] وقوله : { والضحى } [ الضحى : 1 ] .

وأشير إلى أن ظلمة الليل كانت غالبة لضوء النهار وأن النهار يعقبها والظلمةُ هي أصل أحوال أهل الأرض وجميع العوالم المرتبطة بالنظام الشمسي وإنما أضاءت بعد أن خلق الله الشمس ولذلك اعتبر التاريخ في البدء بالليالي ثم طَرأ عليه التاريخ بالأيام .

والقول في تقييد الليل بالظرف وتقييد النهار بمثله كالقول في قوله : { والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها في السورة السابقة } [ الشمس : 3 ، 4 ] .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} (2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مُقسِما بالليل إذا غَشّى النهار بظلمته ، فأذهب ضوءه ، وجاءت ظُلمته : واللّيْلِ إذَا يَغْشَى النهار...

"والنّهارِ إذا تَجَلّى" وهذا أيضا قسم ، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار ، وظهر للأبصار ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإتيانه إياها عيانا . وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعِظَم شأنه عنده .

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ والنهار } أي الذي هو سبب انكشاف الأمور ...{ إذا تجلّى } أي ظهر ظهوراً عظيماً بضياء الشمس ، وأظهر ما كان خفياً فلم يدع لمبصر شيئاً من لبس ، فمن كان يريد السر قصد الليل ، ومن أراد الجهر قصد النهار سواء كان من الأبرار أو من الفجار....

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

بزوال ظلمة الليل ، فيتحرك الإنسان والحيوان ، طلبا لمعاشهما ، وبهذا يظهر وجه المصلحة في اختلافهما ، إذاً لو كان الدهر كله ليلا لتعذر المعاش على الناس ، ولو كان كله نهارا لبطلت المصلحة ، فكان في تعاقبهما آية بالغة يستدل بها على علم الصانع وحكمته ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

( والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى . . وما خلق الذكر والأنثى ) . . .

يقسم الله - سبحانه - بهاتين الآيتين : الليل والنهار . مع صفة كل منهما الصفة المصورة للمشهد . ( والليل إذا يغشى ) . ( والنهار إذا تجلى ) . . الليل حين يغشى البسيطة ، ويغمرها ويخفيها .

والنهار حين يتجلى ويظهر ، فيظهر في تجليه كل شيء ويسفر . وهما آنان متقابلان في دورة الفلك ، ومتقابلان في الصورة ، ومتقابلان في الخصائص ، ومتقابلان في الآثار . . كذلك يقسم بخلقه الأنواع جنسين متقابلين : ( وما خلق الذكر والأنثى ) . . تكملة لظواهر التقابل في جو السورة وحقائقها جميعا .

والليل والنهار ظاهرتان شاملتان لهما دلالة توحيان بها إيحاء للقلب البشري ؛ ولهما دلالة كذلك أخرى عند التدبر والتفكر فيهما وفيما وراءهما . والنفس تتأثر تأثرا تلقائيا بتقلب الليل والنهار . الليل إذا يغشى ويعم ، والنهار إذا تجلى وأسفر . ولهذا التقلب حديث وإيحاء . حديث عن هذا الكون المجهول الأسرار ، وعن هذه الظواهر التي لا يملك البشر من أمرها شيئا . وإيحاء بما وراء هذا التقلب من قدرة تدير الآونة في الكون كما تدار العجلة اليسيرة ! وبما هنالك من تغير وتحول لا يثبت أبدا على حال .

ودلالتهما عند التدبر والتفكر قاطعة في أن هنالك يدا أخرى تدير هذا الفلك ، وتبدل الليل والنهار . بهذا الانتظام وهذا الاطراد وهذه الدقة . وأن الذي يدير الفلك هكذا يدير حياة البشر أيضا . ولا يتركهم سدى ، كما أنه لا يخلقهم عبثا .

ومهما حاول المنكرون والمضلون أن يلغوا في هذه الحقيقة ، وأن يحولوا الأنظار عنها ، فإن القلب البشري سيظل موصولا بهذا الكون ، يتلقى إيقاعاته ، وينظر تقلباته ، ويدرك تلقائيا كما يدرك بعد التدبر والتفكر ، أن هنالك مدبرا لا محيد من الشعور به ، والاعتراف بوجوده من وراء اللغو والهذر ، ومن وراء الجحود والنكران !

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وأشير إلى أن ظلمة الليل كانت غالبة لضوء النهار وأن النهار يعقبها والظلمةُ هي أصل أحوال أهل الأرض وجميع العوالم المرتبطة بالنظام الشمسي وإنما أضاءت بعد أن خلق الله الشمس ولذلك اعتبر التاريخ في البدء بالليالي ثم طَرأ عليه التاريخ بالأيام .

والقول في تقييد الليل بالظرف وتقييد النهار بمثله كالقول في قوله : { والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها في السورة السابقة } [ الشمس : 3 ، 4 ] .

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

في القرآن الكريم تركيز على مسألة نظام «النور » و«الظلمة » ودورهما في حياة البشر ، لأنّهما من نعم اللّه الكبرى ومن آياته العظمى سبحانه . ...