{ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا } قال مجاهد : تبعها . وقال العوفي ، عن ابن عباس : { وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا } قال : يتلو النهار . وقال قتادة : { إِذَا تَلاهَا } ليلة الهلال ، إذا سقطت الشمس رؤي الهلال .
وقال ابن زيد : هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ، ثم هي تتلوه . وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر .
وقوله : وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يقول تعالى ذكره : والقمر إذا تَبِع الشمس ، وذلك في النصف الأوّل من الشهر ، إذا غُرِبت الشمسَ ، تلاها القمر طالعا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَالقَمَرِ إذَا تَلاها قال : يتلو النهار .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ، قوله : وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يعني : الشمس إذا تبعها القمر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال : تبعها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يتلوها صبيحة الهلال فإذا سقطت الشمس رُؤي الهلال .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال : إذا تلاها ليلة الهلال .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : والشّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال : هذا قسم ، والقمر يتلو الشمس نصف الشهر الأوّل ، وتتلوه النصف الاَخر ، فأما النصف الأوّل فهو يتلوها ، وتكون أمامه وهو وراءها ، فإذا كان النصف الاَخر كان هو أمامها يقدمها ، وتليه هي .
{ والقمر } يتلو الشمس من أول الشهر إلى نصفه في الغروب تغرب هي ثم يغرب هو ويتلوها في النصف الآخر بنحو وآخر وهي أن تغرب هي فيطلع هو ، وقال الحسن بن أبي الحسن : { تلاها } معناه : تبعها دأباً في كل وقت لأنه يستضيء منه فهو يتلوها لذلك .
قال القاضي أبو محمد : فهذا اتباع لا يختص بنصف أول من الشهر ولا بآخره ، وقاله الفراء أيضاً ، وقال الزجاج وغيره : { تلاها } : معناه امتلأ واستدار ، فكان لها تابعاً في المنزلة والضياء والقدر ، لأنه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا المعنى غير القمر ، قال قتادة : وإنما ذلك ليلة البدر تغيب هي فيطلع هو .
والتلُوَّ : التبع وأريد به خَلف ضوئه في الليل ضوءَ الشمس ، أي إذا ظهر بعد مغيبها فكأنه يتبعها في مكانها ، وهذا تلو مجازي . والقمر يتبع الشمس في أحوال كثيرة منها استهلاله ، فالهلال يظهر للناظرين عقب غروب الشمس ثم يبقى كذلك ثلاث ليال ، وهو أيضاً يَتلو الشمس حين يقارب الابتدارَ وحين يصير بدراً فإذا صار بدراً صار تُلوّه الشمسَ حقيقة لأنه يظهر عندما تغرب الشمس ، وقريباً من غروبها قبله أو بعده ، وهو أيضاً يضيء في أكثر ليالي الشهر جعله الله عوضاً عن الشمس في عدة ليال في الإِنارة ، ولذلك قُيّد القسم بحين تلوه لأن تلوه للشمس حينئذ تظهر منه مظاهر التلوّ للناظرين ، فهذا الزمان مثل زمان الضحى في القسم به ، فكان بمنزلة قَسَم بوقت تُلوه الشمس ، فحصل القسم بذات القمر وبتلوه الشمس .
وفي الآية إشارة إلى أن نور القمر مستفاد من نور الشمس ، أي من توجه أشعة الشمس إلى ما يقابل الأرض من القمر ، وليس نيّراً بذاته ، وهذا إعجاز علمي من إعجاز القرآن وهو مما أشرت إليه في المقدمة العاشرة .
وابتدىء بالشمس لمناسبة المقام إيماء للتنويه بالإِسلام لأن هديه كنور الشمس لا يترك للضلال مسلكاً ، وفيه إشارة إلى الوعد بانتشاره في العالم كانتشار نور الشمس في الأفق ، واتبع بالقمر لأنه ينير في الظلام كما أنار الإِسلام في ابتداء ظهوره في ظلمة الشرك ، ثم ذكر النهار والليل معه لأنهما مثل لوضوح الإسلام بعد ضلالة الشرك وذلك عكس ما في سورة الليل لما يأتي .
ومناسبة استحضار السماء عقب ذكر الشمس والقمر ، واستحضار الأرض عقب ذكر النهار والليل ، واضحة ، ثم ذكرت النفس الإنسانية لأنها مظهر الهدى والضلال وهو المقصود .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني إذا تبعها [ الشمس ] يسير من خلفها ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
والقمر إذا تَبِع الشمس ... إذا غربت الشمس ، تلاها القمر طالعا ....
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فجائز أن يتلوها في كل ما ذكرنا في الشمس من المنافع والمعاني ، فيكون تاليها في العمل ، فإنه يقع به صلاح الأغذية أيضا ، وهو يدبر أيضا . إلا أنه لا ينتهي منتهاها ، ولا يبلغ مبلغها ، والله أعلم . وقال بعضهم : { إذا تلاها } أي يتلوها في أول ما يهل ، فإنه إذا وجبت الشمس في آخر اليوم من الشهر إلى غروبها بدا طلوع الهلال . وقال بعضهم : إنه يتلوها إذا صار بدرا ، وفي هذا دلالة أن منشئهما واحد لأن منافعهما تعم الخلق جميعا . ولو لم يكن مدبرهما واحدا لكانت لا تعم ، بل يمنع كل واحد منهما الآخر عن إيصال النفع إلى قوم عدوه . ...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
تبعها فأخذ من ضوئها وسار خلفها...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قسم آخر بالقمر وتلوه الشمس ووجه الدلالة من جهة تلو القمر للشمس من جهة المعاقبة على أمور مرتبة في النقصان والزيادة ، لأنه لا يزال ضوء الشمس ينقص إذا غاب جرمها ، ويقوى ضوء القمر حتى يتكامل كذلك دائبين ، تسخيرا من الله للعباد بما ليس في وسعهم أن يجروه على شيء من ذلك المنهاج . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ والقمر } أي المكتسب من نورها كما أن أنوار النفوس من أنوار العقول { إذا تلاها } أي تبعها في الاستدارة والنور بما دل على أن نوره من نورها من القرب الماحق لنوره والبعد المكتسب له في مقدار ما يقابلها من جرمه ، ولا يزال يكثر إلى أن تتم المقابلة فيتم النور ليلة الإبدار عند تقابلهما في أفق الشرق والغرب ، ومن ثم يأخذ في المقاربة فينقص بقدر ما ينحرف عن المقابلة ، ونسبة التبع إليه مجازية أطلقت بالنسبة إلى ما ينظر منه كذلك . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وفي الآية إشارة إلى أن نور القمر مستفاد من نور الشمس ، أي من توجه أشعة الشمس إلى ما يقابل الأرض من القمر ، وليس نيّراً بذاته ، وهذا إعجاز علمي من إعجاز القرآن وهو مما أشرت إليه في المقدمة العاشرة . وابتدئ بالشمس لمناسبة المقام إيماء للتنويه بالإِسلام لأن هديه كنور الشمس لا يترك للضلال مسلكاً ، وفيه إشارة إلى الوعد بانتشاره في العالم كانتشار نور الشمس في الأفق ، واتبع بالقمر لأنه ينير في الظلام كما أنار الإِسلام في ابتداء ظهوره في ظلمة الشرك ، ثم ذكر النهار والليل معه لأنهما مثل لوضوح الإسلام بعد ضلالة الشرك وذلك عكس ما في سورة الليل لما يأتي . ومناسبة استحضار السماء عقب ذكر الشمس والقمر ، واستحضار الأرض عقب ذكر النهار والليل ، واضحة ، ثم ذكرت النفس الإنسانية لأنها مظهر الهدى والضلال وهو المقصود .