وفي الصفحة المقابلة مشهد النجاة والتكريم والاختيار :
( ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عالياً من المسرفين . ولقد اخترناهم على علم على العالمين . وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين ) . .
ويذكر هنا نجاة بني إسرائيل من العذاب المهين في مقابل الهوان الذي انتهى إليه المتجبرون المتعالون المسرفون في التجبر والتعالي : " من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين " . .
وقوله : { مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا [ مِنَ الْمُسْرِفِينَ ] } {[2]} أي : مستكبرًا جبارًا عنيدًا ، كقوله : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ [ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ] {[3]} } [ القصص : 4 ] .
وقوله : { فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ } [ المؤمنون : 46 ] ، [ وقوله { فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ } ] {[4]} [ العنكبوت : 39 ] ، [ فكان فرعون ] سِرفًا{[5]} في أمره ، سخيف الرأي على نفسه .
وقوله : { من فرعون } الأظهر أن يكون بدلاً مطابقاً للعذاب المهين فتكون { مِن } مؤكدة ل { من } الأولى المعدية ل { نجينا } لأن الحرف الداخل على المبدل منه يجوز أن يدخل على البدل للتأكيد . ويحسن ذلك في نكت يقتضيها المقام وحسنّه هنا ، فأظهرت { مِن } لخفاء كون اسم فرعون بدلاً من العذاب تنبيهاً على قصد التهويل لأمر فرعون في جَعل اسمه نفس العذاب المَهِين ، أي في حال كونه صادراً من فرعون .
وجملة { إنه كان عالياً } مستأنفة استئنافاً بيانياً لبيان التهويل الذي أفاده جعل اسم فرعون بدلاً من العذاب المهين . والعالي : المتكبر العظيم في الناس ، قال تعالى : { إن فرعون علا في الأرض } [ القصص : 4 ] .
و { من المسرفين } خبر ثان عن فرعون ، والإسراف : الإفراط والإكثار . والمراد هنا الإكثار في التعالي ، يراد الإكثار في أعمال الشر بقرينة مقام الذم . و { من المسرفين } أشد مبالغة في اتصافه بالإسراف من أن يقال : مسرفاً ، كما تقدم في قوله تعالى : { قال أعوذ بالله أنْ أكونَ من الجاهلين } في سورة البقرة ( 67 ) .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"مِنْ فِرْعَوْنَ إنّهُ كانَ عالِيا مِنَ المُسْرِفِينَ" يقول تعالى ذكره: ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب من فرعون... ويعني بقوله: "إنّهُ كانَ عالِيا مِنَ المُسْرِفِينَ "إنه كان جبارا مستعليا مستكبرا على ربه، "مِنَ المُسْرِفِينَ" يعني: من المتجاوزين ما ليس لهم تجاوزه. وإنما يعني جلّ ثناؤه أنه كان ذا اعتداء في كفره، واستكبار على ربه جلّ ثناؤه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{عاليا} أي غالبا عليهم قاهرا لهم بأنواع القهر الذي كان يقهرهم، والله أعلم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وجهه أن يكون تقدير قوله: {مِن فِرْعَوْنَ}: من عذاب فرعون، حتى يكون المهين هو فرعون.
وفي قراءة ابن عباس: مَن فرعون، لما وصف عذاب فرعون بالشدة والفظاعة قال: من فرعون، على معنى: هل تعرفونه من هو في عتوّه وشيطنته، ثم عرف حاله في ذلك بقوله: {إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ المسرفين} أي كبيراً رفيع الطبقة، ومن بينهم فائقاً لهم، بليغاً في إسرافه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما تشوف السامع إلى صاحب ذلك العذاب، قال مبدلاً مما قبله إفهاماً؛ لأن فرعون نفسه كان عذاباً لإفراطه في أذاهم: {من فرعون}، ثم علل ذلك بما يعرف منه صحة الوصف للعذاب فقال مؤكداً؛ لأن حال قريش في استذلال المؤمنين حال من يكذب بأن الله أنجى بني إسرائيل على ضعفهم فهو ينجي غيرهم من الضعفاء أو يكذب أن فرعون كان قوياً {إنه كان عالياً} في جبلته العراقة في العلو.
{من المسرفي} أي العريقين في مجاوزة الحدود...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{من المسرفين} خبر ثان عن فرعون، والإسراف: الإفراط والإكثار. والمراد هنا الإكثار في التعالي، يراد الإكثار في أعمال الشر بقرينة مقام الذم.
و {من المسرفين} أشد مبالغة في اتصافه بالإسراف من أن يقال: مسرفاً...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لقد نجّى الله سبحانه هذه الأمّة المظلومة من قبضة هؤلاء الظالمين، أعظم سفاكي الدماء في التأريخ، في ظل ثورة موسى بن عمران (عليه السلام) الرّبانية، لذلك تضيف الآية (من فرعون إنّه كان عالياً من المسرفين). ليس المراد من «عالياً» هنا علو المنزلة، بل هو إشارة إلى استشعاره العلو، وإنّما علوه في الإسراف والتعدي، كما جاء ذلك أيضاً في الآية (4) من سورة القصص (إنّ فرعون علا في الأرض) حتى أنّه ادعى الألوهية، وسمى نفسه الرب الأعلى.
و«المسرف» من مادة «إسراف»، أي كلّ تجاوز للحدود، سواء في الأقوال أم الأفعال، ولذلك استعملت كلمة المسرف في آيات القرآن المختلفة في شأن المجرمين الذين يتعدون الحدود في ظلمهم وفسادهم، وكذلك أطلقت على العصاة المسرفين كما نقرأ ذلك في الآية (53) من سورة الزمر (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله).
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.