( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله . ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ) . .
إنها ليست فلتة عارضة ، ولا مصادفة عابرة ، أن ينصر الله العصبة المسلمة ، وأن يسلط على أعدائها الرعب والملائكة مع العصبة المسلمة . . إنما ذلك لأنهم شاقوا الله ورسوله ، فاتخذوا لهم شقاً غير شق الله ورسوله ، وصفا غير صف الله ورسوله . ووقفوا موقف الخلف والمشاقة هذا يصدون عن سبيل الله ، ويحولون دون منهج الله للحياة .
( ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ) . .
ينزل عقابه الشديد على الذين يشاقونه ويشاقون رسوله . وهو قادر على عقابهم وهم أضعف من أن يقفوا لعقابه . .
قاعدة وسنة . لا فلتة ولا مصادفة . قاعدة وسنة أنه حيثما انطلقت العصبة المسلمة في الأرض لتقرير ألوهية الله وحده ، وإقامة منهج الله وحده ، ثم وقف منها عدوّ لها موقف المشاقة لله ورسوله ، كان التثبيت والنصر للعصبة المسلمة ، وكان الرعب والهزيمة للذين يشاقون الله ورسوله . ما استقامت العصبة المسلمة على الطريق ، واطمأنت إلى ربها ، وتوكلت عليه وحده ، وهي تقطع الطريق .
وفي نهاية المشهد يتوجه بالخطاب إلى أولئك الذين شاقوا الله ورسوله . . إن هذا الذي حل بكم في الدنيا من الرعب والهزيمة ليس نهاية المطاف . فأمر هذا الدين والحركة به والوقوف في طريقه ، ليس أمر هذه الأرض وحدها ، ولا أمر هذه الحياة الدنيا بمفردها . . إنه أمر ممتد إلى ما وراء هذه الأرض ، وإلى ما بعد هذه الحياة . . إن أبعاده تمتد وراء هذه الآماد القريبة :
ولذلك قال [ الله ]{[12745]} تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : خالفوهما فساروا في شق ، وتركوا الشرع والإيمان به واتباعه في شق - وهو مأخوذ أيضا من شق العصا ، وهو جعلها فرقتين - { وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي : هو الطالب الغالب لمن خالفه وناوأه ، لا يفوته شيء ، ولا يقوم لغضبه شيء ، تبارك وتعالى ، لا إله غيره ، ولا رب سواه .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَآقّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } . .
يعني تعالى ذكره بقوله : ذلكَ بأنّهُمْ هذا الفعل من ضرب هؤلاء الكفرة فوق الأعناق ، وضرب كلّ بنان منهم ، جزاء لهم بشقاقهم الله ورسوله ، وعقاب لهم عليه ، ومعنى قوله : شاقّوا الله وَرَسُولَهُ فارقوا أمر الله ورسوله وعصوهما ، وأطاعوا أمر الشيطان . ومعنى قوله : وَمَنْ يُشاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ ومن يخالف أمر الله وأمر رسوله ، وفارق طاعتهما . فإنّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ له ، وشدة عقابه له في الدنيا : إحلاله به ما كان يحلّ بأعدائه من النقم ، وفي الاَخرة الخلود في نار جهنم . وحذف «له » من الكلام لدلالة الكلام عليها .
{ ذلك } إشارة إلى الضرب أو الأمر به والخطاب للرسول ، أو لكل أحد من المخاطبين قبل . { بأنهم شاقّوا الله ورسوله } بسبب مشاقتهم لهما واشتقاقه من الشق لأن كلا من المتعادين في شق خلاف شق الآخر كالمعاداة من العدوة والمخاصمة من الخصم وهو الجانب . { ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب } تقرير للتعليل أو وعيد بما أعد لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا .
وجملة : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } تعليل لأن الباء في قوله { بأنهم } باء السببية فهي تفيد معنى التعليل ولهذا فُصلت الجملة .
والمخاطب بهذه الجملة : إما الملائكة ، فتكون من جملة الموحى به إليهم إطْلاعاً لهم على حكمة فعل الله تعالى . لزيادة تقريبهم ، ولا يريبك إفراد كاف الخطاب في اسم الإشارة لأن الأصل في الكاف مع اسم الإشارة الإفراد والتذكير ، وإجراؤها على حسب حال المخاطب بالإشارة جائز وليس بالمتعين ، وإما من تبلغهم الآية من المشركين الأحياء بعد يوم بدر ، ولذا فالجملة معترضة للتحذير من الاستمرار على مشاقة الله ورسوله . والقول في إفراد الكاف هُو هُو إذ الخطاب لغير معين والمراد نوع خاص ، ويجوز أن يكون المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم
والمشار إليه ما أمروا به من ضرب الأعناق وقطع البنان .
وإفراد اسم الإشارة بتأويله بالمذكور ، وتقدم غير مرة .
والمشاقة العداوة بعصيان وعناد ، مشتقة من الشّق بكسر الشين وهو الجانب ، هو اسم بمعنى المشقوق أي المفرق ، ولما كان المخالف والمعادي يكون متباعداً عن عدوه فقد جعل كأنه في شق آخر ، أي ناحية أخرى ، والتصريح بسبب الانتقام تعريض للمؤمنين ليستزيدوا من طاعة الله ورسوله ، فإن المشيئة لما كانت سبب هذا العقاب العظيم فيوشك ما هو مخالفة للرسول بدون مشاقة أن يُوقع في عذاب دون ذلك ، وخليق بأن يكون ضدها وهو الطاعة موجباً للخير .
وجملة : { ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب } تذييل يعم كل من يشاقق الله ويعم أصناف العقائد .
والمراد من قوله : { فإن الله شديد العقاب } الكناية عن عقاب المشاقين وبذلك يظهر الارتباط بين الجزاء وبين الشرط باعتبار لازم الخبر وهو الكناية عن تعلق مضمون ذلك الخبر بمن حصل منه مضمون الشرط ، كقول عنترة :
إن تُغْدِفي ، دونِي القناع فإنني *** طَبُّ بأخذ الفارس المستلْئمِ
يريد فأني لا يخفى عليَّ من يستر وجهه مني وأني أتوسّمه وأعرفه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.