القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّهُمْ كَانُوَاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلََهَ إِلاّ اللّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَإِنّا لَتَارِكُوَ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مّجْنُونٍ * بَلْ جَآءَ بِالْحَقّ وَصَدّقَ الْمُرْسَلِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وإن هؤلاء المشركين بالله الذين وصف صفتهم في هذه الاَيات كانوا في الدنيا إذا قيل لهم : قولوا لا إلَه إلاّ اللّهُ يَسْتَكْبِرُونَ يقول : يتعظّمون عن قِيل ذلك ويتكبرون وترك من الكلام قولوا ، اكتفاء بدلالة الكلام عليه من ذكره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : إذَا قِيلَ لَهُمْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ يَسْتَكْبِرُونَ قال : يعني المشركين خاصّة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّهُمْ كانُوا إذَا قِيلَ لَهُمْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ يَسْتَكْبِرُونَ قال : قال عمر بن الخطاب : احْضُروا موتاكم ، ولقنوهم لا إله إلا الله ، فإنهم يرون ويسمعون .
استئناف بياني أفاد تعليل جزائهم وبيان إجرامهم بذكر ما كانوا عليه من التكبر عن الاعتراف بالوحدانية لله ومن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو منزه عنه وصفاً يرمون به إلى تكذيبه فيما جاء به . فحرف ( إنّ ) هنا ليس للتأكيد لأن كونهم كذلك مما لا منازع فيه وإنما هو للاهتمام بالخبرفلذلك تفيد التعليل والربط وتغني غناء فاء التفريع .
وذكر فعل الكون ليدل على أن ما تضمنه الخبر وصف متمكن منهم فهو غير منقطع ولا هُم حائدون عنه .
ومعنى { قيل لهم لا إله إلا الله } أنه يقال لهم على سبيل الدعوة والتعليم .
وفاعل القول المبنيّ فعله للنائب هو النبي صلى الله عليه وسلم فحذف للعلم به .
والاستكبار : شدة الكبر ، فالسين والتاء للمبالغة ، أي يتعاظمون عن أن يقبلوا ذلك من رجل مثلهم ، ولك أن تجعل السين والتاء للطلب ، أي إظهار التكبر ، أي يبدو عليهم التكبر والاشمئزاز من هذا القول .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
أخبر عنهم جل وعز بأنهم يتكبرون عن الهدى...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وإن هؤلاء المشركين بالله الذين وصف صفتهم في هذه الآيات كانوا في الدنيا إذا قيل لهم: قولوا لا إلَه إلاّ اللّهُ "يَسْتَكْبِرُونَ "يقول: يتعظّمون عن قِيل ذلك ويتكبرون وترك من الكلام قولوا، اكتفاء بدلالة الكلام عليه من ذكره.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
... وهذه لفظة ذم من حيث استكبروا عن قول الحق...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
احتجابُهم بقلوبهم أوقعهم في وهدة عذابهم؛ ذلك لأنهم استكبروا عن الإقرار بربوبيته، ولو عرفوه لافتخروا بعبوديته؛ قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأعراف: 206]، وقال: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلاَ الْمَلاَئِكةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 173] فإنّ مَنْ عَرفَ اللَّهَ فلا لذة له إلا في طاعته.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا} سمعوا بكلمة التوحيد نفروا أو استكبروا عنها وأبوا إلا الشرك.
الضمير في قوله: {إنهم} عائد إلى المذكور السابق وهو قوله: {بالمجرمين} وهذا يدل على أن لفظ المجرم المطلق مختص في القرآن بالكافر.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
علل تعذيبه لهم بقوله مؤكداً للتعجب منهم؛ لأن فعلهم هذا أهل لأن ينكر؛ لأن هذه الكلمة لا يصدق عاقل أن أحداً يستكبر عليها لأنه لا شيء أعدل منها: {إنهم كانوا} أي دائماً {إذا قيل لهم} أي من أيّ قائل كان: {لا إله} أي يمكن، وإذا نفي الممكن كان الموجود أولى، فإنه لا يوجد إلا ما يمكن وجوده وإن كان واجباً.
{إلا الله} أي الملك الأعلى المباين لجميع الموجودات في ذاته وصفاته وافعاله، كما هو الحق ليفردوه بالإلهية كما تفرد بالخالقية، كما لا يخفى على من له أدنى مسكة بصفات الكمال، وقدم النفي لأن التحلية لا تكون إلا بعد التخلية.
{يستكبرون} أي يوجدون الكبر عن الإقرار بهذا الحق الذي لا أعدل منه وعن متابعة الداعي إليه، استكبار من هو طالب للكبر من نفسه ومن غيره لما فيه من العراقة والعتو.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
حرف (إنّ) هنا ليس للتأكيد؛ لأن كونهم كذلك مما لا منازع فيه، وإنما هو للاهتمام بالخبر؛ فلذلك تفيد التعليل والربط وتغني غناء فاء التفريع.
ذكر فعل الكون ليدل على أن ما تضمنه الخبر وصف متمكن منهم، فهو غير منقطع ولا هُم حائدون عنه.
الاستكبار: شدة الكبر، فالسين والتاء للمبالغة، أي يتعاظمون عن أن يقبلوا ذلك من رجل مثلهم.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
منذ أبى إبليس من السجود لآدم واستكبر فدخل في عداد الكافرين؛ أصبح الاستكبار عن عبادة الله وطاعته سنة متبعة عند أهل الكفر، وقاسما مشتركا بينهم في كل جيل وعصر.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ التكبّر والغرور، وعدم الانصياع للحقّ، والعمل بالعادات الخاطئة والتقاليد الباطلة بإصرار ولجاجة، والنظر إلى كلّ شيء باستخفاف واستحقار، تؤدّي جميعاً إلى انحراف الإنسان، فروح الاستكبار يقابلها الخضوع والاستسلام للحقّ والذي هو الإسلام الحقيقي، الاستكبار الذي هو أساس الظلام، فيما أنّ الخضوع والاستسلام هو أساس السعادة، والذي يثير الاهتمام أنّ بعض آيات القرآن الكريم توضّح بصورة مباشرة العذاب الإلهي الذي سيعذّب به المستكبرون (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحقّ).
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.