{ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } أي : ولقد تركنا قصة نوح مع قومه آية يتذكر بها المتذكرون ، على أن من عصى الرسل وعاندهم أهلكه الله بعقاب عام شديد ، أو أن الضمير يعود إلى السفينة وجنسها ، وأن أصل صنعتها تعليم
من الله لعبده{[931]} نوح عليه السلام ، ثم أبقى الله تعالى صنعتها وجنسها بين الناس ليدل ذلك على رحمته بخلقه وعنايته ، وكمال قدرته ، وبديع صنعته ، { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } ؟ أي : فهل من متذكر{[932]} للآيات ، ملق ذهنه وفكرته لما يأتيه منها ، فإنها في غاية البيان واليسر ؟
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ تّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ } .
يقول تعالى ذكره : ولقد تركنا السفينة التي حملنا فيها نوحا ومن كان معه آية ، يعني عِبْرة وعظة لمن بعد قوم نوح من الأمم ليعتبروا ويتعظوا ، فينتهوا عن أن يسلكوا مسلكهم في الكفر بالله ، وتكذيب رسله ، فيصيبهم مثل ما أصابهم من العقوبة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدّكِرٍ قال : أبقاها الله بباقَرْدي من أرض الجزيرة ، عبرة وآية ، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظرا ، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمادا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً قال : ألقى الله سفينة نوح على الجوديّ حتى أدركها أوائل هذه الأمة .
قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن مجاهد ، أن الله حين غرّق الأرض ، جعلت الجبال تشمخ ، فتواضع الجوديّ ، فرفعه الله على الجبال ، وجعل قرار السفينة عليه .
وقوله : فَهَلْ مِنْ مُدّكِرٍ يقول : فهل من ذي تذكر يتذكر ما قد فعلنا بهذه الأمة التي كفرت بربها ، وعصت رسوله نوحا ، وكذّبته فيما أتاهم به عن ربهم من النصيحة ، فيعتبر بهم ، ويحذر أن يَحِلّ به من عذاب الله بكفره بربه ، وتكذيبه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، مثل الذي حلّ بهم ، فيتيب إلى التوبة ، ويراجع الطاعة . وأصل مدّكر : مفتعل من ذكر ، اجتمعت فاء الفعل ، وهي ذال ، وتاء وهي بعد الذال ، فصيرتا دالاً مشدّدة ، وكذلك تفعل العرب فيما كان أوّله ذالا يتبعها تاء الافتعال يجعلونهما جميعا دالاً مشدّدة ، فيقولون : ادّكرت ادّكارا ، وإنما هو اذتكرت اذتكارا ، وفهل من مذتكر ، ولكن قيل : ادّكرت ومدّكر لما قد وصفت ، قد ذُكر عن بعض بني أسد أنهم يقولون في ذلك مذّكر ، فيقلبون الدال ويعتبرون الدال والتاء ذالاً مشددة ، وذُكر عن الأسود بن يزيد أنه قال : قلت لعبد الله بن مسعود : فهل من مدّكر ، أو مذّكر ، فقال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مُذّكر » يعني بذال مشددة . وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : فَهَلْ مِنْ مُدّكِرْ قال : المدّكر : الذي يتذكر ، وفي كلام العرب : المدّكر : المتذكر .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان فَهَلْ مِنْ مُدّكِرٍ قال : فهل من مذّكر .
وقرأ يزيد بن رومان{[10770]} وعيسى وقتادة : «كَفَر » بفتح الكاف والفاء ، والضمير في : { تركناها } قال مكي بن أبي طالب هو عائد على هذه الفعلة والقصة . وقال قتادة والنقاش وغيره : هو عائد على هذه السفينة ، قالوا وإن الله تعالى أرسلها على الجودي حين تطاولت الجبال وتواضع وهو جبيل بالجزيرة بموضع يقال له باقردى ، وأبقى خشبها هنالك حتى رأت بعضه أوائل هذه الأمة . وقال قتادة : وكم من سفينة كانت بعدها صارت رصودا و : { مدكر } أصله : مذتكر ، أبدلوا من التاء ذالاً ليناسب الدال في النطق ، ثم أدغموا الدال في الدال ، وهي قراءة الناس ، قال أبو حاتم : رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح{[10771]} وقرأ قتادة : «مذكر » بالذال على إدغام الثاني في الأول ، قال أبو حاتم : وذلك رديء ويلزمه أن يقرأ { واذكر بعد أمة }{[10772]} و{ تذخرون في بيوتكم }{[10773]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.