{ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ } وهم الأعداء الذين لهم السطوة والغلبة ، ويريدون إطفاء ما معه من النور ، بأي طريق كان ، وهو غير مكترث منهم ، ولا مبال بهم ، وهم عاجزون لا يقدرون أن ينالوه بشيء من السوء ، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون .
وقولهم : { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ } أي : لا نترك عبادة آلهتنا لمجرد قولك ، الذي ما أقمت عليه بينة بزعمهم ، { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } وهذا تأييس منهم لنبيهم ، هود عليه السلام ، في إيمانهم ، وأنهم لا يزالون في كفرهم يعمهون .
{ إِنْ نَقُولُ } فيك { إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } أي : أصابتك بخبال وجنون ، فصرت تهذي بما لا يعقل . فسبحان من طبع على قلوب الظالمين ، كيف جعلوا أصدق الخلق الذي جاء بأحق الحق ، بهذه المرتبة ، التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم لولا أن الله حكاها عنهم .
ولهذا بين هود ، عليه الصلاة والسلام ، أنه واثق غاية الوثوق ، أنه لا يصيبه منهم ، ولا من آلهتهم أذى ، فقال : { إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا } أي : اطلبوا لي الضرر كلكم ، بكل طريق تتمكنون بها مني { ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ } أي : لا تمهلوني .
ثم ينتقل من براءته من شركهم ، إلى تحديثهم واطمئنان فيقول : { فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } .
أى : لقد أعلنت أمامكم بكل قوة ووضوح أنى برئ من شرككم ، وها أنذا فى مواجهتكم ، فانضموا إلى آلهتكم وحاربونى بما شئتم من ألوان المحاربة والأذى بدون تريث أو إمهال ، فإنى لن أكف علن الجهر بدعوتى ، ولن تراجع عن احتقار الباطل الذى أنتم عليه .
وهذا - كما يقول صاحب الكشاف - من أعظم الآيات ، أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمة عطاشا إلى إراقة دمه ، يرمونه عن قوس واحدة وذلك لثقته بربه ، وأنه يعصمه منهم ، فلا تنشب فيه مخالبهم .
{ من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تُنظِرون } أجاب به عن مقالتهم الحمقاء بأن أشهد الله تعالى على براءته من آلهتهم وفراغه عن إضرارهم تأكيدا لذلك تثبيتا له ، وأمرهم بأن يشهدوا عليه استهانة بهم ، وأن يجتمعوا على الكيد في إهلاكه من غير إنظار حتى إذا اجتهدوا فيه ورأوا أنهم عجزوا عن آخرهم وهم الأقوياء الأشداء أن يضروه لم يبق لهم شبهة أن آلهتهم التي هي جماد لا يضر ولا ينفع لا تتمكن من إضراره انتقاما منه ، وهذا من جملة معجزاته فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة الفتاك العطاش إلى إراقة دمه بهذا الكلام ليس إلا لثقته بالله وتثبطهم عن إضراره ليس إلا بعصمته إياه ، ولذلك عقبه بقوله : { إني توكلت على الله ربي وربكم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.