{ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ } أي : أعلى مراتب العلم ، فإن أعلى مراتب العلم اليقين وهو العلم الثابت ، الذي لا يتزلزل ولا يزول .
واليقين مراتبه ثلاثة ، كل واحدة أعلى مما قبلها :
أولها : علم اليقين ، وهو العلم المستفاد من الخبر .
ثم عين اليقين ، وهو العلم المدرك بحاسة البصر .
ثم حق اليقين ، وهو العلم المدرك بحاسة الذوق والمباشرة .
وهذا القرآن الكريم ، بهذا الوصف ، فإن ما فيه من العلوم المؤيدة بالبراهين القطعية ، وما فيه من الحقائق والمعارف الإيمانية ، يحصل به لمن ذاقه حق اليقين .
وقوله : { وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليقين } معطوف على ما قبله ، أى : وإن هذا القرآن لهو الحق الثابت الذى لا شك فى كونه من عند الله - تعالى - وأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بلغه إلى الناس دون أن يزيد فيه حرفا ، أو ينقص منه حرفا .
وإضافة الحق إلى اليقين ، من إضافة الصفة إلى الموصوف . أى : لهو اليقين الحق ، أو هو من إضافة الشئ إلى نفسه مع اختلاف اللفظين ، كما فى قوله : ( حَبْلِ الوريد ) ، إذ الحبل هو الوريد .
والمقصود من مثل هذا التركيب : التأكيد .
وقد قالوا : إن مراتب العلم ثلاثة : أعلاها : حق اليقين ، ويليها : عين اليقين ، ويليها : علم اليقين .
فحق اليقين : كعلم الإِنسان بالموت عند نزوله به ، وبلوغ الروح الحلقوم ، وعين اليقين : كعلمه به عند حلول أماراته وعلاماته الدالة على قربه . . وعلم اليقين : كعلمه بأن الموت سينزل به لا محالة مهما طال الأجل . .
عطف على { وإنه لحسرة على الكافرين } [ الحاقة : 50 ] فيحتمل أن يكون الضمير عائداً على القرآن لأن هذه من صفات القرآن ، ويحتمل أن يكون مراداً به المذكور وهو كون القرآن حسرة على الكافرين ، أي إن ذلك حق لا محالة أي هو جالب لحسرتهم في الدنيا والآخرة .
وإضافة حق إلى يقين يجوز أن يكون من إضافة الموصوف إلى الصفة ، أي إِنه لليقينُ الحق الموصوف بأنه يقين لا يَشك في كونه حقاً إلاّ من غشي على بصيرته وهذا أولى من جعل الإِضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي لليقين الحق ، أي الذي لا تعتريه شبهة .
واعلم أن حق اليقين ، وعين اليقين ، وعلم اليقين ، وقعت في القرآن .
فحق اليقين وقع في هذه السورة وفي آخر سورة الواقعة ، وعلم اليقين وعين اليقين وقعا في سورة التكاثر ، وهذه الثلاثة إضافتها من إضافة الصفة إلى الموصوف أو من إضافة الموصوف إلى الصفة كما ذكرنا . ومعنى كل مركب منها هو محصل ما تدل عليه كلمتاه وإضافةُ إحداهما إلى الأخرى .
وقد اصطلح العلماء على جعل كلمة ( عِلم اليقين ) اسما اصطلاحياً لما أعطاه الدليل بتصوّر الأمور على ما هي عليه حسب كلام السيد الجرجاني في كتاب « التعريفات » ، ووقع في كلام أبي البقاء في « الكليات » ما يدل على أن بعض هذه المركبات نقلت في بعض الاصطلاحات العلمية فصارت ألقاباً لمعان ، وقال : علم اليقين لأصحاب البرهان ، وعين اليقين وحق اليقين أيضاً لأصحاب الكشف والعيان كالأنبياء والأولياء على حسب تفاوتهم في المراتب ، قال : وقد حقق المحققون من الحكماء بأن بعد المراتب الأربع للنفس ( يعني مراتب تحصيل العلم للنفس المذكورةَ في المنطق الأوليات ، والمشاهدات الباطنية ، والتجريبات ، والمتواترات ) مرتبتين : إحداهما مرتبة عين اليقين وهي أن تصير النفس بحيث تشاهد المعقولات في المعارف التي تفيضها النفس كما هي ، والثانية مرتبة حق اليقين وهي أن تصير النفس بحيث تتصل بالمعقولات اتصالاً عقلياً وتلاقي ذاتها تلاقياً روحانياً . واصطلح علماء التصوف على جعل كل مركب من هذه الثلاثة لقباً لمعنى من الانكشاف العقلي وجرت في كتاب « الفتوحات المكية » للشيخ محيي الدين بن عربي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.