{ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ } فتاب اللّه على كثير ممن كانت الوقعة عليهم ، وأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين تائبين ، فرد عليهم نساءهم ، وأولادهم .
{ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي : ذو مغفرة واسعة ، ورحمة عامة ، يعفو عن الذنوب العظيمة للتائبين ، ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة والطاعة ، والصفح عن جرائمهم ، وقبول توباتهم ، فلا ييأسنَّ أحد من مغفرته ورحمته ، ولو فعل من الذنوب والإجرام ما فعل .
ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر قدرته ورحمته بعباده فقال - تعالى - { ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذلك على مَن يَشَآءُ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
أى : ثم يتوب الله - تعالى - من بعد هذا التعذيب للذين كفروا في الدنيا ، على من يشاء أن يتوب عليهم منهم ، بأن يوفقه للدخول في الإِسلام ، والله - تعالى - واسع المغفرة ، عظيم الرحمة ، لا يحاسب الكافرين بعد إيمانهم على ما حصل منهم من كفر .
قال - تعالى - : { قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ } قال ابن كثير : وقوله : { ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذلك على مَن يَشَآءُ . . . } قد تاب الله على بقية هوزان فاسلموا ، وقدموا عليهم مسلمين ، ولحقوه وقد قارب مكة عند الجعرانة ، وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوماً فعند ذلك خيرهم بين سبيهم وبين أموالهم فاختاروا سبيهم ، وكانوا ستة آلاف أسير ، ما بين صبى وامرأة فرده عليهم : وقسم الأموال بين الغانمين ، ونفل أناسا من الطلقاء لكى يتألف قلوبهم على الإِسلام ، فأعطاهم مائة مائة من الإِبل ، وكان من جملة من اعطاهم مائة من الإِبل مالك بن عوف النضرى واستعمله على قومه .
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد ذكرت لامؤمنين بجانب من نعم الله عليهم . ومن رحمته بهم ، وأرشدتهم إلى أن النصر لا يتأتى لمن أعجبوا بكثرتهم فانشغلوا بها عن الاعتماد عليه - سبحانه - وإنما النصر يتأتى لمن أخلصوا لله سرائرهم وعلانيتهم . وباشروا الأسباب الى شرعها - سبحانه - للوصول إلى الفوز والظفر .
قال ابن القيم : افتتح الله - تعالى - غزوات العرب بغزوة بدر ، وختم غزوهم بغزوة حنين ، لهذا يقرن بين هاتين بالذكر ، فقال بدر وحنين وإن كان بينهما سبع سنين . . وبهاتين الغزوتين طفئت جمرة العرب لغزوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين . فالأولى خوفتهم وكسرت من حدتهم ، والثانية استفرغت قواهم ، واستنفدت سهامهم ، وأذلت جمعهم ، حتى لم يجدوا بدا من الدخول في دين الله .
وقوله : { ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } قد تاب الله على بقية هوازن ، وأسلموا وقدموا عليه مسلمين ، ولحقوه وقد قارب مكة عند الجِعِرَّانة ، وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما ، فعند ذلك خَيَّرهم بين سبيهم وبين أموالهم ، فاختاروا سبيهم ، وكانوا ستة آلاف أسير ما بين صبي وامرأة ، فرده عليهم ، وقسم أموالهم بين الغانمين ، ونفل أناسا من الطلقاء ليتألف قلوبهم على الإسلام ، فأعطاهم مائةً مائةً من الإبل ، وكان من جملة من أعطي مائة مالك بن عوف النَّضْري ، واستعمله على قومه كما كان ، فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها :
ما إنْ رَأيتُ ولا سَمعتُ بمثْلِه *** في النَّاس كُلّهم بمثل مُحَمَّد
أوْفَى وأعْطَى للجزيل إذا اجتُدى *** ومَتى تَشَأ يُخْبرْكَ عَمّا في غَد
وإذَا الكتيبة عَرّدَتْ أنيابُها *** بالسَّمْهَريّ وَضَرْب كُلّ مُهَنَّد
فَكَأنَّه ليث على أشْبَاله *** وسط الهَبَاءة{[13356]} خَادر في مَرْصَد
القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَىَ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : ثم يتفضل الله بتوفيقه للتوبة والإنابة إليه من بعد عذابه الذي به عذّب من هلك منهم قتلاً بالسيف على من يشاء أي يتوب الله على من يشاء من الأحياء يقبل به إلى طاعته والله غَفُورٌ لذنوب من أناب وتاب إليه منهم ومن غيرهم منها ، رَحِيمٌ بهم فلا يعذبهم بعد توبتهم ، ولا يؤاخذهم بها بعد إنابتهم .
{ ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء } منهم بالتوفيق للإسلام . { والله غفور رحيم } يتجاوز عنهم ويتفضل عليهم . روي ( أن ناسا جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا وقالوا : يا رسول الله أنت خير الناس وأبرهم وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا - وقد سبي يومئذ ستة آلاف نفس وأخذ من الإبل والغنم ما لا يحصى - فقال صلى الله عليه وسلم : اختاروا إما سباياكم وإما أموالكم ؟ فقالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن هؤلاء جاءوا مسلمين وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئا فمن كان بيده سبي وطابت نفسه أن يرده فشأنه ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه فقالوا : رضينا وسلمنا فقال : إني لا أدري لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا إلينا فرفعوا أنهم قد رضوا ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.