البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (27)

{ ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشآء والله غفور رحيم } إخبار بأن الله يتوب على من يشاء فيهدي من يشاء ممن بقي من الكفار للإسلام ، ووعد بالمغفرة والرحمة كمالك بن عوف النضري رئيس هوازن ومن أسلم معه من قومه .

وروي أنّ ناساً منهم جاؤوا فبايعوا على الإسلام وقالوا : يا رسول الله أنت خير الناس وأبرّ الناس ، وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا ، وكان سبي يومئذ ستة آلاف نفس ، وأخذ من الإبل والغنم ما لا يحصى ، فقال : « إن خير القول أصدقه ، اختاروا إما ذراريكم ونساءكم وإمّا أموالكم » فقالوا : ما نعدل بالأحساب شيئاً .

وتمام الحديث أنهم أخذوا نساءهم وذراريهم إلا امرأة وقع عليها صفوان بن أمية فحملت منه فلم يردها .

أخبرنا القاضي العالم أبو علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص القرشي قراءة مني عليه بمدينة مالقة .

قال : أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن بيقي بن حبلة الخزرجي باوو بولة ، قال : أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني باسكندرية ( ح ) وأخبرنا أستاذنا الإمام العلامة الحافظ أبو جعفر أحمد بن ابراهيم بن الزبير قراءة مني عليه بغرناطة عن القاضي أبي الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني عن أبي طاهر السلفي وهو آخر من حدث عنه بالغرب ، ( ح ) وأخبرنا عالياً القاضي السعيد صفي الدين أبو محمد عبد الوهاب بن حسن بن الفرات قراءة عليه مرتين بثغر الاسكندرية ، عن أبي الطاهر اسماعيل بن صالح بن ياسين الجبلي وهو آخر من حدث عنه قالا : أعني السلفي والجبلي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن ابراهيم الرازي ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن بقاء بن محمد الوراق بمصر أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عمر اليمني التنوخي بانتفاء خلف الواسطي الحافظ ( ح ) وأخبرنا المحدث العدل نجيب الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد الهمداني عرف بابن العجمي قراءة مني عليه بالقاهرة قلت له : أخبرك أبو الفخر أسعد بن أبي الفتوح بن روح وعفيفة بنت أحمد بن عبد الله في كتابيهما قالا : أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن عقيل الجوزدانية .

قالت : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة الضبي ، قال : أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني الحافظ قالا : أعني التنوخي والطبراني أخبرنا عبيد الله بن رماحس زاد التنوخي بن محمد بن خالد بن حبيب بن قيس بن رمادة من الرملة على بريدين في ربيع الآخر من سنة ثمانين ومائتين ، وقال الطبراني ابن رماحس الجشمي القيسي برمادة الرملة سنة سبع وسبعين ومائتين ، قال : حدثنا أبو عمرو زياد بن طارق زاد التنوخي الجشمي .

وقال الطبراني وكان قد أتت عليه عشرون ومائة سنة قال التنوخي عن زياد أنبأنا زهير أبو جندل وكان سيد قومه وكان يكنى أبا صرد .

قال : لما كان يوم حنين أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هو يميز بين الرجال والنساء ، وثبت حتى قعدت بين يديه أذكره حيث شب ونشأ في هوازن ، وحيث أرضعوه فأنشأت أقول : وقال الطبراني عن زياد قال : سمعت أبا جرول زهير بن صرد الجشمي يقول : لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قوم هوازن ، وذهب يفرق السبي والشاء ، فأتيته فأنشأت أقوال هذا الشعر :

امنن علينا رسول الله في كرم *** فإنك المرء نرجوه وننتظر

امنن على بيضة قد عاقها قدر *** مفرق شملها في دهرها غير

أبقت لنا الحرب هتافاً على حرن *** على قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركهم نعماء تنشرها *** يا أرجح الناس حلماً حين يختبر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها *** إذ فوك يملأوها من محضها الدرر

إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها *** وإذ يزينك ما تأتي وما تذر

يا خير من مرحت كمت الجياد به *** عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

لا تجعلنا كمن شالت نعامته *** واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا نؤمل عفواً منك نلبسه *** هذى البرية أن تعفو وتنتصر

إنا لنشكر للنعمى وقد كفرت *** وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر

فألبس العفو من قد كنت ترضعه *** من أمهاتك أن العفو مشتهر

واعف عفا الله عما أنت راهبه *** يوم القيامة إذ يهدي لك الظفر

وفي رواية الطبراني تقديم وتأخير في بعض الأبيات ، وتغيير لبعض ألفاظ ، فترتيب الأبيات بعد قوله : إذ أنت طفل قوله : لا تجعلنا ، ثم إنا لنشكر ، ثم فالبس العفو ، ثم تأخير من مرحت ، ثم إنا نؤمل ، ثم فاعف .

وتغيير الألفاظ قوله : وإذ يربيك بالراء والباء مكان الزاي والنون .

وقوله للنعماء : إذ كفرت .

وقوله : إذ تعفو .

وفي رواية الطبراني قال : فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر قال صلى الله عليه وسلم : « ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم » وقالت قريش : ما كان لنا فهو لله ولرسوله .

وقالت الأنصار : ما كان لنا فهو لله ولرسوله .

وفي رواية التنوخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فللَّه ولكم » وقالت الأنصار : ما كان لنا فللَّه ولرسوله ، ردّت الأنصار ما كان في أيديها من الذراري والأموال .