{ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } أي : معلمة ، على كل حجر منها سمة صاحبه{[850]} لأنهم أسرفوا ، وتجاوزوا الحد ، فجعل إبراهيم يجادلهم في قوم لوط ، لعل الله يدفع عنهم العذاب ، فقال الله :
{ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ }
{ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } أى : معلمة عند الله - تعالى - وفى علمه ، وقد أعدها - سبحانه - لرجم هؤلاء الذين أسرفوا فى عصيانهم له - تعالى - وأتوا بفاحشة لم يسبقهم إليها أحد من العاملين فقوله : { مُّسَوَّمَةً } حال من الحجارة ، والسُّومة : العلامة . ومنه قوله - تعالى - : { والخيل المسومة }
( لنرسل عليهم حجارة من طين ، مسومة عند ربك للمسرفين ) . .
وهذه الحجارة الطينية المعلمة أو المعدة المجهزة عند الله للمسرفين المتجاوزين الحق - وقوم لوط كانوا مسرفين في تجاوزهم للفطرة والحق والدين - لا يمتنع أن تكون حجارة بركان ثائر يقذف بالحمم الطيني من جوف الأرض .
فهي ( عند ربك )بهذا الاعتبار مسلطة - وفق إرادته ونواميسه - على من يريد من المسرفين . مقدرة بزمانها ومكانها وفق علمه وتدبيره القديم . وأن يتولى إرسالها - في إطار إرادته ونواميسه - ملائكته . وهل ندري نحن حقيقة ملائكته ? وهل ندري حقيقة علاقتهم بهذا الكون ومن فيه وما فيه ? وهل ندري حقيقة القوى الكونية التي نسميها من عندنا أسماء بحسب ظواهرها التي تتكشف لنا بين الحين والحين ? وما لنا نعترض على خبر الله لنا أنه سلط بعض هذه القوى في وقت ما ، لترسل بعض هذه القوى في صورة ما ، على قوم ما ، في أرض ما ، ما لنا نعترض على خبر الله لنا ، ونحن ما نزال كل ذخيرتنا من المعرفة فروض ونظريات وتأويلات لظواهر تلك القوى . أما حقيقتها فهي عنا بعيدة ? ! فلتكن حجارة بركانية أو لتكن حجارة أخرى فهذه كتلك في يد الله ، ومن صنعه ، وسرها غيب عنده يكشفه حين يشاء !
{ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً } أي : معلمة { عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } أي : مكتتبة عنده بأسمائهم ، كل حجر عليه اسم صاحبه ، فقال في سورة العنكبوت : { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ } [ العنكبوت : 32 ] .
و : { مسومة } نعت ل { حجارة } ، وقيل معناه متروكة وسومها من الإهلاك والأنصباب . وقيل معناه : معلمة بعلامتها من السيما والسومى{[10607]} وهي العلامة ، أي إنها ليست من حجارة الدنيا ، وقال الزهراوي والرماني ، وقيل معناه : على حجر اسم المضروب به . وقال الرماني وقيل كان عليها أمثال الخواتم . وقال ابن عباس : تسويمها إن كان في الحجارة السود نقط بيض وفي البيض سود . ويحتمل أن يكون المعنى : أنها بجملتها معلومة عند ربك لهذا المعنى معلمة له . لا أن كل واحد منها له علامة خاصة به . والمسرف : الذي يتعدى الطور ، فإذا جاء مطابقاً فهو لأبعد الغايات الكفر فما دونه .
المُسَوّمة : التي عليها السُّومة أي العلامة ، أي عليها علامات من ألوان تدل على أنها ليست من الحجارة المتعارفة .
ومعنى { عند ربك } أن علاماتها بخلق الله وتكوينه .
والمسرفون : المفرطون في العصيان ، وذلك بكفرهم وشيوع الفاحشة فيهم ، فالمسرفون : القوم المجرمون ، عدل عن ضميرهم إلى الوصف الظاهر ، لتسجيل إفراطهم في الإِجرام .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{مسومة} يعني معلمة {عند ربك للمسرفين} يعني المشركين، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ" يقول: لنمطر عليهم من السماء حجارة من طين "مُسَوّمةً" يعني: معلّمة... عن ابن عباس قوله: "مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ للمُسْرِفِينَ" قال: المسوّمة: الحجارة المختومة... فذلك تسويمها عند ربك يا إبراهيم للمسرفين، يعني للمتعدّين حدود الله، الكافرين به من قوم لوط.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{مُسوَّمة} أي معلّمة {عند ربك للمسرفين}، ثم الإعلام يحتمل وجهين:
أحدهما: معلَّمة مسوّمة باسم من تقع عليه، ويهلك بها، أي مكتوب عليها اسمه.
والثاني: معلّمة في نفسها حتى يعلم كل واحد أنها للهلاك جاءت، وأنها أرسلت لذلك مخافة لسائر الأحجار، والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والمسومة: المعلمة بعلامات ظاهرة للحاسة، لأن التسويم كالسيماء في أنه يرجع إلى العلامة الظاهرة من قولهم: عليه سيماء الخير. ومنه قوله "يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين".
والمجرم: القاطع للواجب بالباطل، فهؤلاء أجرموا بقطع الإيمان بالكفر. وأصل الصفة القطعُ.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... سماهم مسرفين، كما سماهم عادين، لإسرافهم وعدوانهم في عملهم، حيث لم يقنعوا بما أبيح لهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{مسومة} أي معلمة بعلامة العذاب المخصوص. ولما كان قد رأوا اهتمامه بالعلم بخبرهم خشية من أن يكونوا أرسلوا لعذاب أحد يعز عليه أمره، أمنوا خوفه بوصف الإحسان فقالوا: {عند ربك} أي المحسن إليك بهذه البشارة وغيرها {للمسرفين} أي المتجاوزين للحدود غير قانعين بما أبيح لهم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ويكشف هذا التعبير عن مطلب مهمّ آخر، وهو أنّ هذه الحجارة السماوية التي أعدت لتنزل على قوم لوط لا تختّص بهؤلاء القوم، بل معدّة لجميع المسرفين والعصاة المجرمين.