ولما ذكر الكافرين ، ذكر المؤمنين ، ووصفهم وجزاءهم ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } بهذا الكتاب ، وما اشتمل عليه مما دعا إليه من الإيمان ، وصدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة الجامعة للإخلاص ، والمتابعة . { لَهُمْ أَجْرٌ } أي : عظيم { غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي : غير مقطوع ولا نافد ، بل هو مستمر مدى الأوقات ، متزايد على الساعات ، مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات .
وقوله - تعالى - : { إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } بيان لحسن عاقبة المؤمنين ، بعد بيان سوء عاقبة الكافرين .
أى : إن الذين آمنوا إيمانا حقا وعملوا الأعمال الصالحات ، لهم أجر عظيم غير { مَمْنُونٍ } أى غير مقطوع عنهم ، من مننت الحبل إذا قطعته ، أو غير منقوص عما وعدهم الله به ، أو غير ممنون به عليهم ، بل يعطون ما يعطون من خيرات جزاء أعمالهم الصالحة فى الدنيا ، فضلا من الله - تعالى - وكرما .
ثم قال بعد ذلك : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } قال مجاهد وغيره : لا مقطوع ولا مجبوب{[25629]} ، كقوله : { مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا } [ الكهف : 3 ] ، وكقوله تعالى { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] .
وقال السدي : غير ممنون عليهم . وقد رد عليه بعض الأئمة هذا التفسير ، فإن المنة لله على أهل الجنة ؛ قال الله تعالى : { بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ } [ الحجرات : 17 ] ، وقال أهل الجنة : { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } [ الطور : 27 ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * قُلْ أَإِنّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبّ الْعَالَمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : إن الذين صدّقوا الله ورسوله ، وعملوا بما أمرهم الله به ورسوله ، وانتهوا عما نهياهم عنه ، وذلك هو الصالحات من الأعمال لَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ يقول : لمن فعل ذلك أجر غير منقوص عما وعدهم أن يأجرهم عليه .
وقد اختلف في تأويل ذلك أهل التأويل ، وقد بيّناه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقد :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ لَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قال بعضهم : غير منقوص . وقال بعضهم : غير ممنون عليهم .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ يقول : غير منقوص .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، قوله : لَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قال : محسوب .
ذكر عز وجل حالة الذين آمنوا معادلاً بذلك حالة الكافرين المذكورين ليبين الفرق . وقوله : { غير ممنون } قال ابن عباس معناه : غير منقوص . وقالت فرقة معناه : غير مقطوع ، يقال مننت الحبل : إذا قطعته{[10041]} . وقال مجاهد معناه : غير محسوب ، لأن كل محسوب محصور ، فهو معد لأن يمن به ، فيظهر في الآية أنه وصفه بعدم المن والأذى من حيث هو من جهة الله تعالى ، فهو شريف لا من فيه ، وأعطيات البشر هي التي يدخلها المن . وقال السدي : نزلت هذه الآية من المرضى والزمنى{[10042]} ، إذا عجزوا عن إكمال الطاعات كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون ، ثم أمر تعالى نبيه أن يوقفهم موبخاً على كفرهم بخالق الأرض والسماوات ومخترعها ، ووصف صورة خلقها ومدته ، والحكمة في خلقه هذه المخلوقات في مدة ممتدة مع قدرة الله على إيجادها في حين واحد . وهي إظهار القدرة في ذلك حسب شرف الإيجاد أولاً أولاً . قال قوم : وليعلّم عباده التأني في الأمور والمهل .
استئناف بياني نشأ عن الوعيد الذي تُوُعّد به المشركون بعد أن أُمروا بالاستقامة إلى الله واستغفارِه عما فرط منهم ، كأنَّ سائلاً يقول : فإن اتعظوا وارتدعوا فماذا يكون جزاؤهم ، فأفيد ذلك وهو أنهم حينئذٍ يكونون من زمرة { الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون } ، وفي هذا تنويه بشأن المؤمنين .
والأجر : الجزاء النافع ، عن العمل الصالح ، أو هو ما يُعطُوْنه من نعيم الجنة .
والممنون : مفعول من المَنّ ، وهو ذِكر النعمة للمنعَم عليه بها ، والتقدير غير ممنون به عليهم ، وذلك كناية عن كونهم أُعطُوه شكراً لهم على ما أسلفوه من عمل صالح فإن الله غفور شكور ، يعني : أن الإِنعام عليهم في الجنة ترافقه الكرامة والثناء فلا يُحسون بخجل العطاء ، وهو من قبيل قوله : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } [ البقرة : 264 ] ، فأجرهم بمنزلة الشيء المملوك لهم الذي لم يعطه إياهم أحد وذلك تفضل من الله ، وقريب منه قول لبيد :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.