وقوله : { أَمْ يُرِيدُونَ } بقدحهم فيك وفيما جئتهم به { كَيْدًا } يبطلون به دينك ، ويفسدون به أمرك ؟
{ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ } أي : كيدهم في نحورهم ، ومضرته عائدة إليهم ، وقد فعل الله ذلك -ولله الحمد- فلم يبق الكفار من مقدورهم من المكر شيئا إلا فعلوه ، فنصر الله نبيه ودينه عليهم{[888]} وخذلهم وانتصر منهم .
{ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون } أى : بل أيريدون بك - أيها الرسول الكريم - الكيد والأذى والهلاك ، إن كانوا يريدون بك ذلك فاعلم أن الذين كفروا بك وبدعوتك وأرادوا بك وبها الكيد والأذى ، هم المغلوبون الخاسرون الذين يحيق بهم كيدهم ويعود عليهم وباله .
فقوله : { المكيدون } اسم مفعول من الكيد ، وهو المكر والخبث .
وقد عاد عليهم وبال مكرهم فعال ، فقد خرج - صلى الله عليه وسلم - من بين جموعهم ليلة الهجرة ، دون أن يروه ، وكانوا محيطين بداره ليقتلوه ، وأحبط الله - تعالى - مكرهم .
والذي يملك أمر الغيب وما يقدر فيه وما يدبر ، هو الذي يملك أن يدبر فيه وأن يكيد . فمالهم وهم عن الغيب محجوبون ، وفي سجله لا يكتبون يكيدون لك ويدبرون ، ويحسبون أنهم قادرون على شيء من أمر المستقبل : فيقولون : شاعر نتربص به ريب المنون ? !
( أم يريدون كيدا ? فالذين كفروا هم المكيدون ) !
وهم الذين يحيق بهم ما يقدره صاحب الغيب لهم ، وهم الذين يقع عليهم كيده ومكره . والله خير الماكرين .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلََهٌ غَيْرُ اللّهِ سُبْحَانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ } .
يقول تعالى ذكره : بل يريد هؤلاء المشركون يا محمد بك ، وبدين الله كيدا فالّذِينَ كَفَرُوا هُمُ المَكِيدُونَ يقول : فهم المكيدون الممكورُ بهم دونك ، فثق بالله ، وامض لما أمرك به .
انتقال من نقض أقوالهم وإبطال مزاعمهم إلى إبطال نواياهم وعزائمهم من التبيت للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولدعوة الإِسلام من الإِضرار والإِخفاق وفي هذا كشف لسرائرهم وتنبيه للمؤمنين للحذر من كيدهم .
وحذف متعلِّق { كيداً } ليعم كل ما يستطيعون أن يكيدوه فكانت هذه الجملة بمنزلة التتميم لنقض غزلهم والتّذييل بما يعم كل عزم يجري في الأغراض التي جرت فيها مقالاتهم .
والكيد والمكر متقاربان وكلاهما إظهار إخفاء الضر بوجوه الإِخفاء تغريراً بالمقصودِ له الضُرُّ .
وعدل عن الإِضمار إلى الإِظهار في قوله : { فالذين كفروا هم المكيدون } وكان مقتضى الظاهر أن يقال فهم المكيدون لِما تؤذن به الصلة من وجه حلول الكيد بهم لأنهم كفروا بالله ، فالله يدافع عن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن المؤمنين وعن دينه كيدهم ويوقعهم فيما نووا إيقاعهم فيه .
وضمير الفصل أفاد القصر ، أي الذين كفروا المكيدون دون من أرادوا الكيد به .
وإطلاق اسم الكيد على ما يجازيهم الله به عن كيدهم من نقض غزلهم إطلاقٌ على وجه المشاكلة بتشبيه إمهال الله إياهم في نعمة إلى أن يقع بهم العذاب بفعل الكائد لغيره ، وهذا تهديد صريح لهم ، وقد تقدم قوله : { ويمكرون ويمكر اللَّه واللَّه خير الماكرين } في سورة الأنفال ( 30 ) . ومن مظاهر هذا التهديد ما حلّ بهم يوم بدر على غير ترقب منهم .
والقول في تفريع { فالذين كفروا هم المكيدون } كالقول في تفريع قوله : { فهم من مغرم مثقلون } [ الطور : 40 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.