والفاء فى قوله - سبحانه - : { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى } للإفصاح عن مقدر ، لأنها تدل على مراعاة مضمون الكلام الذى قبلها ، وتأتى بعده بما يفصله ويزيده وضوحا . .
وقوله : { تلظى } أى : تتوقد وتتوهج وتلتهب ، وأصله تتلظى ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا . أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم ، من حسن عاقبة من أعطى واتقى ، ومن سوء عاقبة من بخل واستغنى ، ومن أن كل شئ تحت قدرتنا وتصرفنا .
فأكون بذلك قد حذرتكم من عذاب عظيم يوم القيامة ، وخوفتكم من السقوط فى نار عظيمة تلتهب وتتوقد ، وهذه النار { لاَ يَصْلاَهَآ } أى : لا يحترق بها { إِلاَّ الأشقى أى : من اشتد شقاؤه بسبب إصراره على كفره وفجوره .
وقوله : { فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى } قال مجاهد : أي توهج .
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سِماك بن حرب ، سمعتُ النعمان بن بشير يخطب يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : " أنذركم النار [ أنذرتكم النار ، أنذرتكم النار ]{[30157]} حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا . قال : حتى وقعت خَميصة كانت على عاتقه عند رجليه{[30158]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، حدثني أبو إسحاق : سمعت النعمان ابن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجلٌ توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منها دماغه " .
رواه البخاري{[30159]}
وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار يَغلي منهما دماغه كما يَغْلي المِرْجَل ، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا ، وإنه لأهونهم عذابا " {[30160]} .
ثم قال جلّ ثناؤه : فَأنْذَرْتُكُمْ نارا تَلَظّى يقول تعالى ذكره : فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهّج ، وهي نار جهنم ، يقول : احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا ، وتكفروا به ، فتَصْلَونها في الاَخرة . وقيل : تلظّى ، وإنما هي تتلظّى ، وهي في موضع رفع ، لأنه فعل مستقبل ، ولو كان فعلاً ماضيا لقيل : فأنذرتكم نارا تلظّت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : نارا تَلَظّى قال : تَوَهّج .
يجوز أن تكون الفاء لمجرد التفريع الذِكري إذا كان فعل : « أنذرتكم » مستعملاً في ماضيه حقيقةً وكان المراد الإِنذار الذي اشتمل عليه قوله : { وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } إلى قوله : { تردى } [ الليل : 8 11 ] . وهذه الفاء يشبه معناها معنى فاء الفصيحة لأنها تدلّ على مراعاة مضمون الكلام الذي قبلها وهو تفريع إنذار مفصَّللٍ على إنذارٍ مجمل .
ويجوز أن تكون الفاء للتفريع المعنوي فيكون فعلُ « أنذرتكم » مراداً به الحال وإنما صيغ في صيغة المضي لتقريب زمان الماضي من الحال كما في : قد قَامت الصلاة ، وقولهم : عزمت عليك إلاّ ما فعلت كذا ، أي أعزم عليك ، ومثل ما في صيغ العقود : كبعتُ ، وهو تفريع على جملة : { إن علينا للهدى } [ الليل : 12 ] والمعنى : هديكم فأنذرتكم إبلاغاً في الهدى .
وتنكير { ناراً } للتهويل ، وجملة { تلظى } نعت . وتلظى : تلتهب من شدة الاشتعال . وهو مشتق من اللّظى مصدر : لَظَيَتْ النار كرَضيتْ إذا التهبت ، وأصل { تلظى } تتلظى بتاءين حذفت إحداهما للاختصار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.