فمما اقترحوه ، استعجالهم العذاب ، الذي أنذرهم به فقال : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وهذا ظلم منهم . فأي ملازمة بين صدقه ، وبين الإخبار بوقت وقوعه ؟ وهل هذا إلا رد للحق ، وسفه في العقل ؟ أليس النذير [ في أمر ] في أحوال الدنيا ، لو جاء قوما ، يعلمون صدقه ونصحه ، ولهم عدو ينتهز الفرصة منهم ويُعِدُّ لهم فقال لهم : تركت عدوكم قد سار ، يريد اجتياحكم واستئصالكم . فلو قال بعضهم : إن كنت صادقا ، فأخبرنا بأية ساعة يصل إلينا ، وأين مكانه الآن ؟ فهل يعد هذا القائل عاقلا ، أم يحكم بسفهه وجنونه ؟
هذا ، والمخبر يمكن صدقه وكذبه ، والعدو قد يبدو له غيرهم ، وقد تنحل عزيمته ، وهم قد يكون بهم منعة يدافعون بها عن أنفسهم ، فكيف بمن كذب أصدق الخلق ، المعصوم في خبره ، الذي لا ينطق عن الهوى ، بالعذاب اليقين ، الذي لا مدفع له ، ولا ناصر منه ؟ ! أليس رد خبره بحجة عدم بيانه وقت وقوعه من أسفه السفه ؟ "
ويقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ? ) . .
وهذا السؤال يوحي بجهلهم لوظيفة الرسول ؛ وعدم إدراكهم لحدود الرسالة . والقرآن حريص على تجريد عقيدة التوحيد . فما محمد إلا رسول محدد الوظيفة . وهو قائم في حدود وظيفته لا يتخطاها . والله هو صاحب الأمر . هو الذي أرسله ، وهو الذي حدد له عمله ؛ وليس من عمله أن يتولى - ولا حتى أن يعلم - تحقيق الوعد والوعيد . . ذلك موكول إلى ربه ، وهو يعرف حدوده . فلا يسأل مجرد سؤال عن شيء لم يطلعه عليه ربه ، ولم يكل إليه أمره . وربه يكلفه أن يرد عليهم رداً معيناً فيقوم به :
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىَ هََذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لّكُم مّيعَادُ يَوْمٍ لاّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ويقول هؤلاء المشركون بالله إذا سمعوا وعيد الله الكفار وما هو فاعل بهم في معادهم مما أنزل الله في كتابه : مَتى هَذَا الوَعْدُ جائيا ، وفي أيّ وقت هو كائن إنْ كُنْتُمْ فيما تَعِدُوننا من ذلك صَادِقِينَ أنه كائن .
كان من أعظم ما أنكروه مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم القيامةُ والبعثُ ولذلك عقب إبطال قولهم في إنكار الرسالة بإبطال قولهم في إنكار البعث ، والجملة معطوفة على خبر { لكِنَّ } [ سبأ : 28 ] . والتقدير : ولكن أكثر الناس لا يعلمون حق البشارة والنذارة ويتهكمون فيسألون عن وقت هذا الوعد الذي هو مظهر البشارة والنذارة . ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة والواو للاستئناف .
وضمير { يقولون } عائد إلى المحاجّين من المشركين الذين صدرت عنهم هذه المقالة . وصيغة المضارع في { يقولون } تفيد التعجيب من مقالتهم كقوله تعالى : { يجادلنا في قوم لوط } [ هود : 74 ] مع إفادتها تكرر ذلك القول منهم وتجدّده .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ويقولون متى هذا الوعد} الذي تعدنا يا محمد.
{إن كنتم صادقين} إن كنت صادقا بأن العذاب نازل بنا في الدنيا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون بالله إذا سمعوا وعيد الله الكفار، وما هو فاعل بهم في معادهم مما أنزل الله في كتابه:"مَتى هَذَا الوَعْدُ" جائيا، وفي أيّ وقت هو كائن "إنْ كُنْتُمْ "فيما تَعِدُوننا من ذلك "صَادِقِينَ" أنه كائن...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
هذا القول منهم إنما يقولون على الاستهزاء والسخرية، ليس على الاسترشاد، على أنه لا يكون ذلك وأنه كذب، كقوله: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها} [الشورى: 18].
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم حكى عن الكفار انهم يستبطؤون العذاب الذي يخوفهم به النبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنون.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لكثرة ما يقولون هذا كرّره اللَّهُ في كتابه خبراً عنهم، والجواب إن لكم ميعاد يومٍ، وفي هذا الميعاد لا تستأخرون ساعةً ولا تستقدمون...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما سلب عنهم العلم، أتبعه دليله، فقال معبراً بصيغة المضارعة الدال على ملازمة التكرير للإعلام بأنه على سبيل الاستهزاء لا الاسترشاد: {ويقولون} أي ما أرسلناك إلا على هذا الحال والحال أن المنذرين يقولون جهلاً منهم بعاقبة ما يوعدونه غير مفكرين به في وجه الخلاص منه والتفصي عنه في كل حين استهزاء منهم: {متى هذا الوعد} أي بالبشارة والنذارة في يوم الجمع وغيره فسموه وعداً زيادة في الاستهزاء.
ولما كان قول الجماعة أجدر بالقبول، وأبعد عن الرد من قول الواحد، أشار إلى زيادة جهلهم بقوله: {إن كنتم} أي أيها النبي وأتباعه! كوناً أنتم عريقون فيه {صادقين} أي متمكنين في الصدق...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
{وَيَقُولُونَ} أي لجهلهم حقيقة أو حكماً؛ ولذا لم يعطف بالفاء.
وقيل يقولون أي من فرط تعنتهم وعدم العطف بالفاء لذلك.
وقيل الحامل فرط الجهل وعدم العطف بالفاء لظهور تفرعه على ما قبله، ومثله يوكل إلى ذهن السامع.
وقيل إن ذاك لأن فرط الجهل غير الجهل وهو كما ترى.
وقيل لأن هذا حال بعض وعدم العلم في قوله تعالى: {لاَّ يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28] حال بعض آخر.
والذي يظهر لي أن القائلين بالفعل هم بعض المشركين المعاصرين له صلى الله عليه وسلم لا أكثر الناس مطلقاً.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهذا السؤال يوحي بجهلهم لوظيفة الرسول؛ وعدم إدراكهم لحدود الرسالة. والقرآن حريص على تجريد عقيدة التوحيد؛ فما محمد إلا رسول محدد الوظيفة، وهو قائم في حدود وظيفته لا يتخطاها. والله هو صاحب الأمر؛ هو الذي أرسله، وهو الذي حدد له عمله؛ وليس من عمله أن يتولى -ولا حتى أن يعلم- تحقيق الوعد والوعيد.. ذلك موكول إلى ربه، وهو يعرف حدوده، فلا يسأل مجرد سؤال عن شيء لم يطلعه عليه ربه، ولم يكل إليه أمره، وربه يكلفه أن يرد عليهم رداً معيناً فيقوم به...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
كان من أعظم ما أنكروه مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم القيامةُ والبعثُ ولذلك عقب إبطال قولهم في إنكار الرسالة بإبطال قولهم في إنكار البعث، والجملة معطوفة على خبر {لكِنَّ} [سبأ: 28]، والتقدير: ولكن أكثر الناس لا يعلمون حق البشارة والنذارة ويتهكمون فيسألون عن وقت هذا الوعد الذي هو مظهر البشارة والنذارة، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة والواو للاستئناف، وضمير {يقولون} عائد إلى المحاجّين من المشركين الذين صدرت عنهم هذه المقالة.
صيغة المضارع في {يقولون} تفيد التعجيب من مقالتهم كقوله تعالى: {يجادلنا في قوم لوط} [هود: 74] مع إفادتها تكرر ذلك القول منهم وتجدّده...