ثم حذرهم من السير فى طريق الشرك فقال : { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العالمين } .
والاستفهام للإِنكار والتحذير من سوء عاقبتهم إذا ما استمروا فى عبادتهم لغيره - تعالى - أى : فما الذى تظنون أن يفعله بكم خالقكم ورازقكم إذا ما عبدتم غيره ؟ إنه لاشك سيحاسبكم على ذلك حسابا عسيرا ، ويعذبكم عذابا أليما ، وما دام الأمر كذلك فاتركوا عبادة هذه الآلهة الزائفة .
وأخلصوا عبادتكم لخالقكم ورازقكم .
قال الآلوسى : قوله : { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العالمين } أى : أى شئ ظنكم بمن هو حقيق بالعبادة ، لكونه ربا للعالمين ؟ أشككتم فيه حتى تركتم عبادته - سبحانه - بالكلية ، أو أعلمتم أى شئ هو حتى جعلتم الأصنام شركاءه أو أى شئ ظنكم بعقابه - عز وجل - حتى اجترأتم على الإِفك عليه ، ولم تخافوا عذابه .
وعلى أية حال فالآية تدل دلالة على واضحة على استنكاره لما كان عليه أبوه وقومه من عباده لغير الله - تعالى - وعلى نفور فطرته لما هم عليه من باطل .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَا ظَنّكُم بِرَبّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النّجُومِ * فَقَالَ إِنّي سَقِيمٌ * فَتَوَلّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَىَ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لأبيه وقومه : فَما ظَنّكُمْ بِرَبّ العالَمِينَ ؟ يقول : فأيّ شيء تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَمَا ظَنّكُمْ بِرَبّ العالَمِينَ يقول : إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لأبيه وقومه:"فَما ظَنّكُمْ بِرَبّ العالَمِينَ"؟ يقول: فأيّ شيء تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
فما الذي تقُولون له؟ وكيف بكم في مقام الخجلة مما بين أيديكم وإن كنتم اليوم غافلين عنه؟
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
لا يقدر في وهم ولا ظنّ ما يصدّ عن عبادته.
أو فما ظنكم به أي شيء هو من الأشياء، حتى جعلتم الأصنام له أنداداً.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
أحدهما: أتظنون برب العالمين أنه يجوز جعل هذه الجمادات مشاركة له في المعبودية.
وثانيها: أتظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى جعلتموها مساوية له في المعبودية فنبههم بذلك على أنه ليس كمثله شيء.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان كفران الإحسان شديداً، ذكرهم بإحسانه حافظاً لسياق التهديد بالإشارة إلى أنه يكفي في ذلك الخوف من قطع الإحسان فقال: {برب العالمين} اي الذي توحد بخلق جميع الجواهر والأعراض وتربيتهم؛ فهو مستحق لتوحيدهم إياه في عبادتهم، أتظنون أنه لا يعذبكم وقد صرفتم ما أنعم به عليكم إلى عبادة غيره، إشارة إلى إنكار تجويز مثل هذا، وأن المقطوع به أن محسناً لا يرضى بدوام إدرار إحسانه إلى من ينسبه إلى غيره.
تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :
أظننتم أنه غير موجود، أو موجود راض بعبادة غيره، أو عاجز عن الانتقام ممن عبد غيره، أو غير أهل لأن يعبد.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
كلمة يبدو فيها استنكار الفطرة السليمة البريئة، وهي تطلع على الأمر البين الذي يصدم الحس والعقل والضمير.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هو استفهام أريد به الإِنكار والتوقيف على الخطأ، وأريد بالظن الاعتقاد الخطأ. وسمي ظناً لأنه غير مطابق للواقع ولم يسمه علماً؛ لأن العلم لا يطلق إلا على الاعتقاد المطابق للواقع؛ والمعنى: أن اعتقادكم في جانب رب العالمين جهل منكَر.
{فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أخبرونا ماذا تظنون في الله؟ وما الذي لا يعجبكم في ألوهيته سبحانه؟ وكيف تخدعون أنفسكم، فتنصرفون عنه سبحانه، وهو رَبُّ العالمين...
فكأن الحق سبحانه يتعجَّب من هؤلاء الذين أشركوا به سبحانه، مع وضوح الدليل على بُطلان شركهم، والشيء لا يُتعجَّب منه إلا إذا جاء على غير ما يجب أنْ يكونَ عليه من الصِّدْق...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(ربّ العالمين) تشير إلى أنّ كلّ العالم يدور في ظلّ ربوبيته تبارك وتعالى، وقد تركتموه واتّجهتم صوب مجموعة من الظنون والأوهام الفارغة.