وقوله : { والليل إِذَا عَسْعَسَ . والصبح إِذَا تَنَفَّسَ } معطوف على ما قبله . وداخل فى حيز القسم .
وقوله { عسعس } أدبر ظلامه أو أقبل ، فهذا اللفظ من الألفاظ التى تستعمل فى الشئ وضده ، إلا أن المناسب هنا يكون المراد به إقبال الظلام ، لمقابلته بالصبح إذا تنفس ، أى : أضاء وأسفر وتبلج .
وقيل : العسعسة : رقة الظلام وذلك فى طرفى النهار ، فهو من المشترك المعنوى ، وليس من الأضداد ، أى : أقبل وأدبر معاً . أى : وحق النجوم التى تغيب بالنهار ، وتجرى فى حال استتارها . . وحق الليل إذا أقبل بظلامه ، والصبح إذا أقبل بضيائه .
ومثله : ( والصبح إذا تنفس ) . . بل هو أظهر حيوية ، وأشد إيحاء . والصبح حي يتنفس . أنفاسه النور والحياة والحركة التي تدب في كل حي . وأكاد أجزم أن اللغة العربية بكل مأثوراتها التعبيرية لا تحتوي نظيرا لهذا التعبير عن الصبح . ورؤية الفجر تكاد تشعر القلب المتفتح أنه بالفعل يتنفس ! ثم يجيء هذا التعبير فيصور هذه الحقيقة التي يشعر بها القلب المتفتح .
وكل متذوق لجمال التعبير والتصوير يدرك أن قوله تعالى : ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ، والليل إذا عسعس ، والصبح إذا تنفس ) . . ثروة شعورية وتعبيرية . فوق ما يشير إليه من حقائق كونية . ثروة جميلة بديعة رشيقة ؛ تضاف إلى رصيد البشرية من المشاعر ، وهي تستقبل هذه الظواهر الكونية بالحس الشاعر .
وقوله : وَالصّبْحِ إذَا تَنَفّسَ يقول : وضوء النهار إذا أقبل وتبين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : والصّبْحِ إذَا تَنَفّسَ قال : إذا نشأ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة والصّبْحِ إذَا تَنَفّسَ : إذا أضاء وأقبل .
«وعسعس الليل » في اللغة : إذا كان غير مستحكم الإظلام ، وقال الحسن بن أبي الحسن : ذلك وقت إقباله وبه وقع القسم ، وقال زيد بن أسلم وابن عباس ومجاهد وقتادة : ذلك عند إدباره وبه وقع القسم ، ويرجع هذا قوله بعد : { والصبح إذا تنفس } ، فكأنهما حالان متصلتان ويشهد له قول علقمة بن قرط : [ الرجز ]
حتى إذا الصبح لها تنفّسا . . . وانجاب عنها ليلها وعسعسا{[11665]}
وقال المبرد أبو العباس : أقسم بإقباله وإدباره ، قال الخليل : يقال عسعس الليل وسعسع إذا أقبل وأدبر ، و «تنفس الصبح » : استطار واتسع ضوؤه ، وقال علوان بن قس : [ الطويل ]
وليل دجوجي تنفس فجره . . . لهم بعد أن خالوه لن يتنفسا{[11666]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.