{ 13-14 } { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : إن الذين أقروا بربهم وشهدوا له بالوحدانية والتزموا طاعته
وداموا على ذلك ، و { اسْتَقَامُوا } مدة حياتهم { فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } من كل شر أمامهم ، { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما خلفوا وراءهم .
ثم فصل - سبحانه - ما أعده للمحسين من جزيل الثواب فقال : { إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله . . } أى : قالوا ذلك بألسنتهم ، وصدقت هذا القول قلوبهم { ثُمَّ استقاموا } بعد ذلك على صراط الله المستقيم ، بأن فعلوا بإخلاص وطاعة كل ما أمرهم - سبحانه - بفعله ، واجتنبوا بقوة كل ما أمرهم بإجتنابه ، وقوله : { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } خبر " إن " وجئ بالفاء فى خبر الموصول لما فيه من معنى الشرط .
أى : إن الذين قالوا ذلك ، ثم استقاموا وثبتوا على طاعتنا فلا خوف عليهم من لحوق مكروه بهم ، ولا هم يحزنون بسبب فوات محببو لديهم ، وإنما هم فى سعادة مستمرة ، وفى سرور دائم ، لا يعكره خوف من مستقبل مجهول ، ولا حزن على أمر قد مضى .
وفي نهاية هذا الشوط الأول يصور لهم جزاء المحسنين ، ويفسر لهم هذه البشرى التي يحملها إليهم القرآن الكريم ، بشرطها ، وهو الاعتراف بربوبية الله وحده والاستقامة على هذا الاعتقاد ومقتضياته :
إن الذين قالوا : ربنا الله . ثم استقاموا . فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها ، جزاء بما كانوا يعملون . .
وقولة : ( ربنا الله ) . . ليست كلمة تقال . بل إنها ليست مجرد عقيدة في الضمير . إنما هي منهج كامل للحياة ، يشمل كل نشاط فيها وكل اتجاه ، وكل حركة وكل خالجة ؛ ويقيم ميزانا للتفكير والشعور ، وللناس والأشياء ، وللأعمال والأحداث ، وللروابط والوشائج في كل هذا الوجود .
( ربنا الله )فله العبادة ، وإليه الاتجاه . ومنه الخشية وعليه الاعتماد .
( ربنا الله )فلا حساب لأحد ولا لشيء سواه ، ولا خوف ولا تطلع لمن عداه .
( ربنا الله )فكل نشاط وكل تفكير وكل تقدير متجه إليه ، منظور فيه إلى رضاه .
( ربنا الله )فلا احتكام إلا إليه ، ولا سلطان إلا لشريعته ، ولا اهتداء إلا بهداه .
( ربنا الله )فكل من في الوجود وكل ما في الوجود مرتبط بنا ونحن نلتقي به في صلتنا بالله .
( ربنا الله ) . . منهج كامل على هذا النحو ، لا كلمة تلفظها الشفاه ، ولا عقيدة سلبية بعيدة عن واقعيات الحياة .
( ثم استقاموا ) . . وهذه أخرى . فالاستقامة والاطراد والثبات على هذا المنهج درجة بعد اتخاذ المنهج : استقامة النفس وطمأنينة القلب . استقامة المشاعر والخوالج ، فلا تتأرجح ولا تضطرب ولا تشك ولا ترتاب بفعل الجواذب والدوافع والمؤثرات . وهي عنيفة ومتنوعة وكثيرة . واستقامة العمل والسلوك على المنهج المختار . وفي الطريق مزالق وأشواك ومعوقات ؛ وفيه هواتف بالانحراف من هنا ومن هناك !
( ربنا الله ) . . منهج . . والاستقامة عليه درجة بعد معرفته واختياره . والذين يقسم الله لهم المعرفة والاستقامة هم الصفوة المختارة . وهؤلاء ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) . . وفيم الخوف وفيم الحزن . . والمنهج واصل . والاستقامة عليه ضمان الوصول ?
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : إنّ الّذِينَ قالُوا رَبّنا اللّهُ الذي لا إله غيره ثُمّ اسْتَقامُوا على تصديقهم بذلك فلم يخلطوه بشرك ، ولم يخالفوا الله في أمره ونهيه فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من فزع يوم القيامة وأهواله وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما خلفوا وراءهم بعد مماتهم .
ثم أخبر تعالى عن حسن حال المسلمين المستقيمين ورفع عنهم الخوف والحزن ، وذهب كثير من الناس إلى أن معنى الآية : { ثم استقاموا } بالطاعات والأعمال الصالحات . وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه المعنى : { ثم استقاموا } بالدوام على الإيمان وترك الانحراف عنه .
قال القاضي أبو محمد : وهذا القول أعم رجاء وأوسع ، وإن كان في الجملة المؤمنة من يعذب وينفذ عليه الوعيد ، فهو ممن يخلد في الجنة وينتفي عنه الخوف والحزن الحال بالكفرة ، والخوف هو الهم لما يستقبل ، والحزن هو الهم بما مضى ، وقد يستعمل فيما يستقبل استعارة ، لأنه حزن لخوف أمر ما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.