{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ } أي : أخبروني لو كان هذا القرآن من عند الله وشهد على صحته الموفقون من أهل الكتاب الذين عندهم من الحق ما يعرفون أنه الحق فآمنوا به واهتدوا فتطابقت أنباء الأنبياء وأتباعهم النبلاء واستكبرتم أيها الجهلاء الأغبياء فهل هذا إلا أعظم الظلم وأشد الكفر ؟ { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ومن الظلم الاستكبار عن الحق بعد التمكن منه .
ثم أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - مرة أخرى ، أن يذكرهم بإيمان العقلاء من أهل الكتاب بهذا الدين ، لعلهم عن طريق هذا التذكير يقلعون عن كفرهم وعنادهم فقال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ } .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين : أخبرونى إن كان هذا الذى أوحاه الله - تعالى - إلىّ من قرآن ، هو من عنده - تعالى - وحده ، والحال أنكم كفرتم به ألستم فى هذه الحالة تكونون ظالمين لأنفسكم وللحق الذى جئتكم به من عند خالقكم ؟ لا شك أنكم فى هذه الحالة تكونون ظالمين جاحدين .
وقوله - سبحانه - : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ على مِثْلِهِ فَآمَنَ واستكبرتم . . } معطوف على ما قبله على سبيل التأكيد لظلمهم .
أى : أخبرونى إن كان هذا القرآن من عند الله ، والحال أنكم قد كفرتم به ، مع أن شهادا من بنى إسرائيل الذين تثقون بشهادتهم ، قد شهد على مثل القرآن بالصدق . لاتفاق التوراة والقرآن على وحدانية الله - تعالى - وعلى أن البعث حق ، وعلى أن الجزاء حق . . فآمن هذا الشاهد بالقرآن وبمن جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستكبرتم أنتم عن الإِيمان . .
ألستم فى هذا الحالة تكونون على رأس الظالمين الجاحدين لكل ما هو حق وصدق ؟ ! فجواب الشرط فى الآية محذوف . أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا ومع ذلك لم تؤمنوا فقد كفرتم وظلمتم ، والله - تعالى - لا يهدى القوم الذين من شأنهم استحباب الظلم على العدل ، والعمى على الهدى .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } قال صاحب الكشاف - رحمه الله - : جواب الشرط محذوف وتقديره . إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ، ألستم ظالمين ، ويدل على هذا المحذوف قوله - تعالى - : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } .
والشاهد من بنى إسرائيل : عبد الله بن سلام . . وفيه نزل : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ على مِثْلِهِ . . . } .
والضمير للقرآن . أى : على مثله فى المعنى ، وهو ما فى التوارة من المعانى المطابقة لمعانى القرآن من التوحيد والوعيد وغير ذلك .
وعلى رأى صاحب الكشاف تكون الآية مدنية فى سورة مكية ، لأن إيمان عبد الله بن سلام - رضى الله عنه - كان بالمدينة ولم يكن بمكة .
ومن المفسرين من يرى أن الآية الكريمة نزلت فى شأن من كل من آمن من أهل الكتاب ، وأنها لم تنزل فى عبد الله بن سلام بصفة خاصة . .
قال الإِمام ابن كثير : وهذا الشاهد اسم جنس ، يعم عبد الله بن سلام وغيره ، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام ، وهذه كقوله - تعالى - : { وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قالوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } قال مسروق والشعبى : ليس بعبد الله بن سلام . هذه الآية مكية ، وإسلامه كان بالمدينة . .
وقال مالك عن ابى النضر ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشى على الأرض : " إنه من أهل الجنة " إلا لعبد الله بن سلام ، قال : وفيه نزلت : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ على مِثْلِهِ } . . وكذا قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة .
وعلى آية حال فالمقصود من الآية الكريمة إثبات أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - ، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صادق فيما يبلغه عن ربه ، وأن العقلاء من أهل الكتاب قد شهدوا بذلك ، وآمنوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - فكان من الواجب على المشكرين - لو كانوا يعقلون -أن يقعلوا عن عنادهم ، وأن يتبعوا الحق الذى جاءهم به النبى - صلى الله عليه وسلم - .
ثم يواجههم بشاهد قريب ، لشهادته قيمتها ، لأنه من أهل الكتاب الذين يعرفون طبيعة التنزيل :
( قل : أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به ، وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ، فآمن واستكبرتم ? إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .
وقد تكون هذه واقعة حال ، ويكون واحد أو أكثر من بني إسرائيل ، عرف أن طبيعة هذا القرآن هي طبيعة الكتب المنزلة من عند الله ، بحكم معرفته لطبيعة التوراة . فآمن . وقد وردت روايات أنها نزلت في عبد الله ابن سلام . لولا أن هذه السورة مكية وعبد الله بن سلام إنما أسلم في المدينة . وقد ورد كذلك أن هذه الآية مدنية توكيدا لنزولها في شأن عبد الله - رضي الله عنه - . كما ورد أنها مكية وأنها لم تنزل فيه .
وقد تكون إشارة إلى واقعة أخرى في مكة نفسها . فقد آمن بعض أهل الكتاب على قلة في العهد المكي .
وكان لإيمانهم ، وهم أهل كتاب ، قيمته وحجيته في وسط المشركين الأميين . ومن ثم نوه به القرآن في مواضع متعددة ، وواجه به المشركين الذين كانوا يكذبون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
وهذا الأسلوب في الجدل : قل : أرأيتم إن كان من عند الله . . . الخ يراد به زعزعة الإصرار والعناد في نفوس أهل مكة ، وإثارة التخوف في نفوسهم والتحرج من المضي في التكذيب . ما دام أن هذا القرآن يحتمل أن يكون من عند الله حقا كما يقول محمد . وفي هذه الحالة تكون العاقبة وخيمة . فأولى لهم أن يحتاطوا لهذا الفرض ، الذي قد يصح ، فيحل بهم كل ما ينذرهم به . ومن الأحوط إذن أن يتريثوا في التكذيب ، وأن يتدبروا الأمر في حرص وفي حذر ، قبل التعرض لتلك العاقبة الوخيمة . وبخاصة إذا أضيف إلى ذلك الاحتمال أن واحدا أو أكثر من أهل الكتاب يشهد بأن طبيعته من طبيعة الكتاب قبله ؛ ويتبع هذا التذوق بالإيمان . بينما هم الذين جاء القرآن لهم ، وبلغتهم ، وعلى لسان رجل منهم ، يستكبرون ويكفرون . . وهو ظلم بين وتجاوز للحق صارخ ، يستحق النقمة من الله وإحباط الأعمال : ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .
ولقد سلك القرآن شتى السبل ، واتبع شتى الأساليب ، ليواجه شكوك القلب البشري وانحرافاته وآفاته ؛ ويأخذ عليها المسالك ؛ ويعالجها بكل أسلوب . وفي أساليب القرآن المتنوعة زاد للدعوة والدعاة إلى هذا الدين . . ومع اليقين الجازم بأن هذا القرآن من عند الله فقد استخدم أسلوب التشكيك لا أسلوب الجزم للغرض الذي أسلفنا . وهو واحد من أساليب الإقناع في بعض الأحوال . .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المشركين القائلين لهذا القرآن لما جاءهم هذا سحر مبين أرأيْتُمْ أيها القوم إنْ كانَ هذا القرآن مِنْ عِنْدِ اللّهِ أنزله عليّ وكَفَرْتُمْ أنتم بِهِ يقول : وكذّبتم أنتم به .
وقوله : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وشهد شاهد من بني إسرائيل ، وهو موسى بن عمران عليه السلام على مثله ، يعني على مثل القرآن ، قالوا : ومثل القرآن الذي شهد عليه موسى بالتصديق التوراة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن مسروق في هذه الاَية : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فخاصم به الذين كفروا من أهل مكة ، التوراة مثل القرآن ، وموسى مثل محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : سُئل داود ، عن قوله : قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ . . . الاَية ، قال داود ، قال عامر ، قال مسروق : والله ما نزلت في عبد الله بن سلام ، ما نزلت إلا بمكة ، وما أسلم عبد الله إلا بالمدينة ، ولكنها خصومة خاصم محمد صلى الله عليه وسلم بها قومه ، قال : فنزلت قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ قال : فالتوراة مثل القرآن ، وموسى مثل محمد صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا بالتورَاة وبرسولهم ، وكفرتم .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت داود بن أبي هند ، عن الشعبيّ ، قال : أناس يزعمون أن شاهدا من بني إسرائيل على مثله عبد الله بن سلام ، وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة وقد أخبرني مسروق أن آل حم ، إنما نزلت بمكة ، وإنما كانت محاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ، فقال : أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ يعني القرآن وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فآمَنَ موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام على الفرقان .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن داود ، عن الشعبيّ ، قال : إن ناسا يزعمون أن الشاهد على مثله : عبد الله بن سلام ، وأنا أعلم بذلك ، وإنما أسلم عبد الله بالمدينة ، وقد أخبرني مسروق أن آل حم إنما نزلت بمكة ، وإنما كانت محاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه ، فقال : قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ يعني الفرقان وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فمثل التوراة الفرقان ، التوراة شهد عليها موسى ، ومحمد على الفرقان صلى الله عليهما وسلم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا داود ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، في قوله قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ الاَية ، قال : كان إسلام ابن سلام بالمدينة ونزلت هذه السورة بمكة إنما كانت خصومة بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين قومه ، فقال : قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ قال : التوراة مثل الفرقان ، وموسى مثل محمد ، فآمن به واستكبرتم ، ثم قال : آمن هذا الذي من بني إسرائيل بنبيه وكتابه ، واستكبرتم أنتم ، فكذّبتم أنتم نبيكم وكتابكم ، إنّ الله لا يهْدِي . . . إلى قوله : هَذا إفْكٌ قَدِيمٌ .
وقال آخرون : عنى بقوله : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ عبد الله بن سلام ، قالوا : ومعنى الكلام وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل هذا القرآن بالتصديق . قالوا : ومثل القرآن التوراة . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف التّنّيسي ، قال : سمعت مالك بن أنس يحدّث عن أبي النضر ، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص ، عن أبيه ، قال : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام قال : وفيه نزلت وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ .
حدثنا الحسين بن عليّ الصّدَائي ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا شعيب بن صفوان ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمير ، أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : قال عبد الله : أنزل فيّ قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ . . . . إلى قوله : فآمَن واسْتَكْبَرْتُم .
حدثني عليّ بن سعد بن مسروق الكنديّ ، قال : حدثنا أبو محمد يحيى بن يعلى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أخي عبد الله بن سلام ، قال : قال عبد الله بن سلام : نزلت فيّ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فآمَن واسْتَكْبَرْتُمْ إنّ الله لا يهْدِي القَوْم الظّالمِينَ .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ . . . الاَية ، قال : كان رجل من أهل الكتاب آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنا نجده في التوراة ، وكان أفضل رجل منهم ، وأعلمهم بالكتاب ، فخاصمت اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : «أتَرْضَوْنَ أنْ يَحْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلام » ؟ «أتُؤْمِنُونَ » ؟ قالوا : نعم ، فأرسل إلى عبد الله بن سلام ، فقال : «أتَشْهَدُ أنّي رَسُولُ اللّهِ مَكتُوبا فِي التّوْرَاةِ والإنْجِيلِ » ، قال : نعم ، فأعرضت اليهود ، وأسلم عبد الله بن سلام ، فهو الذي قال الله جلّ ثناؤه عنه : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ يقول : فآمن عبد الله بن سلام .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ قال : عبد الله بن سلام .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ . . . الاَية ، كنا نحدّث أنه عبد الله بن سلام آمن بكتاب الله وبرسوله وبالإسلام ، وكان من أحبار اليهود .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ ؟ قال : هو عبد الله بن سلام .
حُدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ الشاهد : عبد الله بن سلام ، وكان من الأحبار من علماء بني إسرائيل ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود ، فأتوه ، فسألهم فقال : «أتَعْلَمُون أنّي رسُولُ اللّهِ تجدُونَنِي مَكْتُوبا عِنْدكُمْ في التّوْراةِ » ؟ قالوا : لا نعلم ما تقول ، وإنا بما جئت به كافرون ، فقال : «أيّ رجُل عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلام عنْدَكُمْ » ؟ قالوا : عالمنا وخيرنا ، قال : «أتَرْضوْن بهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ » ؟ قالوا : نعم ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن سلام ، فجاءه فقال : «ما شَهادَتُكَ يا بْنَ سَلام » ؟ قال : أشهد أنك رسول الله ، وأن كتابك جاء من عند الله ، فآمن وكفروا ، يقول الله تبارك وتعالى فآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أنه لما أراد عبد الله بن سلام أن يسلم قال : يا رسول الله ، قد علمت اليهود أني من علمائهم ، وأن أبي كان من علمائهم ، وإني أشهد أنك رسول الله ، وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة ، فأرسل إلى فلان وفلان ، ومن سماه من اليهود ، وأخبئني في بيتك ، وسلهم عني ، وعن أبي ، فإنهم سيحدّثونك أني أعلمهم ، وأن أبي من أعلمهم ، وإني سأخرج إليهم ، فأشهد أنك رسول الله ، وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة ، وأنك بُعثت بالهدى ودين الحقّ ، قال : ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخبأه في بيته وأرسل إلى اليهود ، فدخلوا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما عبد الله بن سلام فيكم » ؟ قالوا : أعلمنا نفسا . وأعلمنا أبا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أرأيْتُمْ إنْ أسْلَمَ تُسْلِمُونَ » ؟ قالوا : لا يسلم ، ثلاث مرار ، فدعاه فخرج ، ثم قال : أشهد أنك رسول الله ، وأنهم يجدونك مكتوبا عندهم في التوراة ، وأنك بُعثت بالهدى ودين الحقّ ، فقالت اليهود : ما كنا نخشاك على هذا يا عبد الله بن سلام ، قال : فخرجوا كفارا ، فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ ، فآمَنَ واسْتَكْبَرْتُمْ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُم قال : هذا عبد الله بن سلام ، شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه حقّ ، وهو في التوراة حقّ ، فآمن واستكبرتم .
حدثني أبو شرحبيل الحمصي ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جُبير بن نفير ، عن أبيه ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : انطلق النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا معه ، حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا مَعْشَرَ اليَهُودِ إِرُوني اثْنَي عَشَرَ رَجُلاً يَشْهَدُونَ إنّهُ لا إلَهَ إلاّ هُو ، وأنّ مَحمّدا رَسُولُ اللّهِ ، يُحْبِطُ اللّهُ عَنْ كُلّ يَهُودِيّ تَحْتَ أدِيمِ السّماءِ الغَضَبَ الّذِي غَضِب عَلَيْهِ » ، قال : فأسكتوا فما أجابه منهم أحد ، ثم ثلّث فلم يجبه أحد ، فانصرف وأنا معه ، حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد ، قال : فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أيّ رجل تَعلموني فيكم يا معشر اليهود ، قالوا : والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله ، ولا أفقه منك ، ولا من أبيك ، ولا من جدّك قبل أبيك ، قال : فإني أشهد بالله أنه النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي تجدونه في التوراة والإنجيل ، قالوا كذبت ، ثم ردّوا عليه قوله وقالوا له شرّا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كَذَبْتُمْ لَنْ نَقْبَلَ قَوْلَكُمْ ، أما آنفا فَتَثْنُونَ عَلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ ما أثْنَيْتُم ، وأمّا إذْ آمَنَ كَذّبْتُمُوهُ وَقُلْتُمْ ما قُلْتُمْ ، فَلَنْ نَقْبَلَ قَوْلَكُم » ، قال : فخرجنا ونحن ثلاثة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا ، وعبد الله بن سلام ، فأنزل الله فيه : قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ . . . الاَية .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل ، لأن قوله : قُلْ أرأيْتُمْ إنْ كانَ مِنْ عنْدِ اللّهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ في سياق توبيخ الله تعالى ذكره مشركي قريش ، واحتجاجا عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذه الاَية نظيرة سائر الاَيات قبلها ، ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر ، فتوجه هذه الاَية إلى أنها فيهم نزلت ، ولا دلّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدّم الخبر عنهم معنى ، غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك عنى به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل ، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن ، والسبب الذي فيه نزل ، وما أريد به ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك ، وشهد عبد الله بن سلام ، وهو الشاهد من بني إسرائيل على مثله ، يعني على مثل القرآن ، وهو التوراة ، وذلك شهادته أن محمدا مكتوب في التوراة أنه نبيّ تجده اليهود مكتوبا عندهم في التوراة ، كما هو مكتوب في القرآن أنه نبيّ .
وقوله : فآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ يقول : فآمن عبد الله بن سلام ، وصدّق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من عند الله ، واستكبرتم أنتم على الإيمان بما آمن به عبد الله بن سلام معشر اليهود إنّ اللّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ يقول : إن الله لا يوفّق لإصابة الحقّ ، وهدى الطريق المستقيم ، القوم الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بإيجابهم لها سخط الله بكفرهم به .
{ قل أرأيتم إن كان من عند الله } أي القرآن . { وكفرتم به } وقد كفرتم به ، ويجوز أن تكون الواو عاطفة على الشرط وكذا الواو في قوله : { وشهد شاهد من بني إسرائيل } إلا أنها تعطفه بما عطف عليه على جملة ما قبله ، والشاهد هو عبد الله بن سلام وقيل موسى عليه الصلاة والسلام وشهادته ما في التوراة من نعت الرسول عليه الصلاة والسلام . { على مثله } مثل القرآن وهو ما في التوراة من المعاني المصدقة للقرآن المطابقة له ، أو مثل ذلك وهو كونه من عند الله . { فآمن } أي بالقرآن لما رآه من جنس الوحي مطابقا للحق . { واستكبرتم } عن الإيمان . { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } استئناف مشعر بأن كفرهم به لضلالهم المسبب عن ظلمهم ، ودليل على الجواب المحذوف مثل ألستم ظالمين .
هذه الآية توقيف على الخطر العظيم الذي هم بسبيله في أن يكذبوا بأمر نافع لهم منج من العذاب دون حجة ولا دليل لهم على التكذيب ، فالمعنى كيف حالكم مع الله ، وماذا تنتظرون منه وأنتم قد كفرتم بما جاء من عنده ، وجواب هذا التوقيف محذوف تقديره : أليس قد ظلمتم ، ودل على هذا المقدار قوله تعالى : { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } و : { أرأيتم } في هذه الآية يحتمل أن تكون منبهة ، فهي لفظ موضوع للسؤال لا يقتضي مفعولاً ، ويحتمل أن تكون الجملة { كان } وما عملت فيه تسد مسد مفعوليها .
واختلف الناس في المراد ب { الشاهد } فقال الحسن ومجاهد وابن سيرين : هذه الآية مدنية ، والشاهد عبد الله بن سلام . وقوله : { على مثله } الضمير فيه عائد على قول محمد عليه السلام في القرآن أنه من عند الله . وقال الشعبي : الشاهد رجل من بني إسرائيل غير عبد الله بن سلام كان بمكة ، والآية مكية وقال سعد بن أبي وقاص ومجاهد وفرقة : الآية مكية ، والشاهد عبد الله بن سلام ، وهي من الآيات التي تضمنت غيباً أبرزه الوجود ، وقد روي عن عبد الله بن سلام أنه قال : فيَّ نزلت . وقال مسروق بن الأجدع والجمهور : الشاهد موسى بن عمران عليه السلام ، والآية مكية ، ورجحه الطبري .
وقوله : { على مثله } يريد بالمثل : التوراة ، والضمير عائد في هذا التأويل على القرآن ، أي جاء شاهد من بني إسرائيل بمثله وشهد أنه من عند الله تعالى .
وقوله : { فآمن } على هذا التأويل ، يعني به تصديق موسى بأمر محمد وتبشيره به ، فذلك إيمان به ، وأما من قال : الشاهد عبد الله بن سلام ، فإيمانه بين ، وكذلك إيمان الإسرائيلي الذي كان بمكة في قول من قاله ، وحكى بعضهم أن الفاعل ب «آمن » ، هو محمد عليه السلام ، وهذا من القائلين بأن الشاهد هو موسى بن عمران عليه السلام ، وإنما اضطر إلى هذا لأنه لم ير وجه إيمان موسى عليه السلام ، ثم قرر تعالى استكبارهم وكفرهم بإيمان هذا المذكور ، فبان ذنبهم وخطؤهم .