وخلق الجان : أصل الجنّ وهو إبليس .
المارج : اللهب الخالص الذي لا دخان فيه .
15-{ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَار }ٍ .
المارج : المشتعل المتحرك ، كألسنة النار مع الرياح .
قال الجوهري في الصحاح : المارج : نار لا دخان لها ، خُلق منها الجان .
ونقل القرطبي عن ابن عباس ومجاهد :
المارج : اللهب الذي يعلو النار ، يختلط بعضه ببعض : أحمر ، وأصفر ، وأخضر .
وقد أخرج الإمام أحمد ، ومسلم ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خُلقت الملائكة من نور ، وخُلق الجانّ من مارج من نار ، وخُلق آدم مما وُصف لكم " vi
والمقصود من الآيتين تذكير الإنس والجنّ بفضل الخلق ، وقدرة القدير خلق من الطين بشرا سويّا ، ومن النار خلق الجن بقدرته .
وتذكير الإنسان بفضل الله عليه ، فقد خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له الملائكة ، وفضَّله على كثير من خلقه ، حيث أمر الله إبليس المخلوق من النار بالسجود لأبينا آدم المخلوق من الطين ، فعلينا أن ندرك عظمة الخالق ، وأن نشكره على نعمة الخلق ، وأن نَحْذَر إبليس العدوَّ اللعين .
قال تعالى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } . ( فاطر : 6 ) .
{ وَخَلَقَ الْجَانَّ } أي : أبا الجن ، وهو إبليس اللعين{[947]} { مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ } أي : من لهب النار الصافي ، أو الذي قد خالطه الدخان ، وهذا يدل على شرف عنصر الآدمي المخلوق من الطين والتراب ، الذي هو محل الرزانة والثقل والمنافع ، بخلاف عنصر الجان وهو النار ، التي هي محل الخفة والطيش والشر والفساد .
ولما كان الجان الذي شمله أيضاً اسم الأنام مخلوقاً من العناصر الأربعة ، وأغلبها في جبلته النار ، قال تعالى : { وخلق الجانّ } أي هذا النوع المستتر عن العيون بخلق أبيهم ، وهو اسم جمع للجن . ولما كان الجن يطلق{[61851]} على الملائكة لاستتارهم ، بين أنهم لم يرادوا به هنا فقال : { من مارج } أي شيء صاف خالص مضطرب شديد الاضطراب جداً والاختلاط ، قال البغوي{[61852]} : وهو الصافي من لهب النار الذي لا دخان فيه ، وقال القشيري ، هو اللهب المختلط بسواد النار - انتهى . ومرجت نارهم - أي اختلطت - ببرد الزمهرير . ولما كان المارج عاماً{[61853]} في النار وغيرها ، بينه بقوله : { من نار * } هي أغلب من عناصر ، فتعين المراد بذكر النار لأن الملائكة عليهم السلام من نور لا من نار ، وليس عندهم مروج ولا اضطراب ، بل هم في غاية الثبات على الطاعة فيما أمروا به ، وقد عرف بهذا كل مضطرب{[61854]} قدره لئلا يتعدى طوره .