تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ} (15)

الآية 15 وقوله تعالى : { وخلق الجانّ من مارج من نار } الجان{[20268]} ذكر أنه أبو الجن وأن{[20269]} لفظه { الجانّ } الوحدان ، والجن جماعة .

وكذا قال أبو عوسجة : الجان .

وقوله تعالى : { من مّارج من نار } قال بعضهم : المارج هو لهب النار ، صاف ، لا دخان فيه ؛ يقال : مرجت النار ، إذا التهبت ، فالمارج على هذا النار التي فارقت الحطب ، والتهبت ، وارتفعت عنه . وكذا قال أبو عوسجة : المارج ههنا اللهب من قولك : مرج الشيء إذا اضطرب ، ولم يستقر .

وعلى ما قال بعضهم في قوله : { مرج البحرين } [ الفرقان : 53 و الرحمن : 19 ] أي خلط ، وجمع بينهما ، يجيء أن يكون خلق الجان من نار غير منقطعة من الحطب ولا خالية من الدخان . وكذا قال أبو عبيد : { من مارج } أي من خلط من النار .

وعلى تأويل من قال في قوله : { مرج البحرين } أي أرسل أحدهما في الآخر ؛ فهو يكون من نار منقطعة من الحطب .

وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، إنما الحاجة إلى معرفة ما أودع من الحكمة في ما ذكر من خلق آدم عليه السلام من التراب و خلق الجان من النار والفائدة في ذلك ، والله أعلم .

يخبر عن قدرته : أن من قدر على خلق الإنسان من ذلك التراب وإخراج جميع ما في الدنيا من الناس من نفس [ واحدة ]{[20270]} لا يحتمل أن يعجزه شيء .

وكذلك ما ذكر من خلق ألوان النار وإخراج ما أخراج منه من النسل حتى أخذ الدنيا بأسرها ، لا يعجزه شيء ، ولو{[20271]}

اجتمع حكماء البشر والجن [ ما ]{[20272]} أدركوا المعنى الذي به أنشأ الإنسان منه ، وأخرج هذا الخلق منه . وفي ذلك وجهان من الحكمة .

أحدهما : ما ذكرنا من القدرة على البعث .

والثاني : أن كل ما ذكر من النقل والتغيير من حال إلى حال وإخراج ما أخرج منه لا يحتمل أن يفعل ذلك عبثا باطلا . ولو لم يكن بعث لكان إنشاء هذا الخلق عبثا باطلا ، ولا قوة إلا بالله .


[20268]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل و م: الآية
[20269]:في الأصل و م: وأنه.
[20270]:من م، ساقطة من الأصل.
[20271]:في الأصل و م: ولا ما.
[20272]:ساقطة من الأصل و م.