وبعد هذا الحديث المتنوع عن أخبار الطغاة الغابرين ، التفتت السورة الكريمة بالخطاب إلى كفار مكة ، لتحذرهم من سوء عاقبة الاقتداء بالكافرين ، ولتدعوهم إلى التفكر والاعتبار ، فقال - تعالى - : { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزبر } .
والاستفهام للنفى والإنكار ، والمراد بالخيرية ، الخيرية الدنيوية ، كالقوة والغنى والجاه ، والسلطان ، والخطاب لأهل مكة .
والبراءة من الشىء : التخلص من تبعاته وشروره ، والمراد بها التخلص من العذاب الذى أعده الله - تعالى - للكافرين ، والسلامة منه .
والزبر : جمع زبور ، وهو الكتاب الذى يكتب فيه .
والمعنى : أكفاركم - يا أهل مكة - خير من اولئكم السابقين فى القوة والغنى والتمكين فى الأرض . . ؟ أم أن لكم عندنا عهدا فى كتبنا ، بأن لا نؤاخذكم على كفركم وشرككم . . ؟
كلا ، ليس لكم شىء من ذلك فأنتم لستم بأقوى من قوم نوح وهود وصالح ولوط ، أو من فرعون وملئه ، وأنتم - أيضا - لم تأخذوا منا عهدا بأن نبرئكم من العقوبة عن كفركم .
وما دام الأمر كذلك فكيف أبحتم لأنفسكم الإصرار على الكفر والجحود ؟ إن ما أنتم عليه من شرك لا يليق بمن عنده شىء من العقل السليم .
ثم قال : { أَكُفَّارُكُمْ } أي : أيها المشركون من كفار قريش { خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ } يعني : من الذين تقدم ذكرهم ممن أهلكوا بسبب تكذيبهم الرسل ، وكفرهم بالكتب : أأنتم خير أم أولئك ؟ { أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ } أي : أم معكم {[27789]} من الله براءة ألا ينالكم عذاب ولا نكال ؟ .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ } .
يقول تعالى ذكره لكفار قريش الذين أخبر الله عنهم أنهم إنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ أكفاركم معشر قريش خير من أولئكم الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود ، وقوم لوط وآل فرعون ، فهم يأملون أن ينجوا من عذابي ، ونقمي على كفرهم بي ، وتكذيبكم رسولي . يقول : إنما أنتم في كفركم بالله وتكذيبهم رسوله ، كبعض هذه الأمم التي وصفت لكم أمرهم ، وعقوبة الله بكم نازلة على كفركم به ، كالذي نزل بهم إن لم تتوبوا وتنيبوا . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أولَئِكُمْ : أي ممن مضى .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسن ، عن يزيد النحويّ ، عن عكرِمة أكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ يقول : أكفاركم يا معشر قريش خير من أولئكم الذين مضوا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئكُمْ قال : أكفاركم خير من الكفار الذين عذبناهم على معاصي الله ، وهؤلاء الكفار خير من أولئك . وقال أكُفّارُكُمْ خيرٌ مِنْ أولئكم استنفاها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزّبُرِ يقول : ليس كفاركم خيرا من قوم نوح وقوم لوط .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس أكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ قال : كفار هذه الأمة .
وقوله : أمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزّبُرِ يقول جلّ ثناؤه : أم لكم براءة من عقاب الله معشر قريش ، أن يصيبكم بكفركم بما جاءكم به الوحي من الله في الزبر ، وهي الكتب . كما :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا أبو عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : الزّبُرِ يقول : الكتب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أمْ لَكُمْ بَرَاءَةً فِي الزّبُرِ في كتاب الله براءة مما تخافون .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة أمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزّبُرِ يعني في الكتب .
وقوله تعالى : { أكفاركم } الآية خطاب لقريش ، وفهم على جهة التوبيخ . أثم خصلة من المال أو قوة أبدان وبسطة أو عقول أو غير ذلك ممنا يقتضي أنكم خير من هؤلاء المعذبين لما كذبوا ، فيرجى لكم بذلك الفضل النجاء من العذاب حين كذبتم رسولكم ؟ { أم لكم } في كتب الله المنزلة { براءة } من العذاب ؟ قاله الضحاك وابن زيد وعكرمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.