{ وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ } أى : بلغت وقتها الذى كانت تنتظره ، وهو يوم القيامة ، للقضاء بينهم وبين أقوامهم . فقوله : { أُقِّتَتْ } من التوقيت ، وهو جعل الشئ منتهيا إلى وقته المحدد له .
قال الآلوسى : قوله { وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ } أى : بلغت ميقاتها . وجوز أن يكون المعنى : عين لها الوقت الذى تحضر فيه للشهادة على الأمم ، وذلك عند مجئ يوم القيامة . .
وجواب { إذا } وما عطف عليها فى قوله { فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ } محذوف ، والتقدير : وقع ما وعدناكم به وهو يوم القيامة .
وإلى جانب هذا الهول في مشاهد الكون ، تعرض السورة أمرا عظيما آخر مؤجلا إلى هذا اليوم . . فهو موعد الرسل لعرض حصيلة الدعوة . دعوة الله في الأرض طوال الأجيال . . فالرسل قد أقتت لهذا اليوم وضرب لها الموعد هناك ، لتقديم الحساب الختامي عن ذلك الأمر العظيم الذي يرجح السماوات والأرض والجبال . للفصل في جميع القضايا المعلقة في الحياة الأرضية ، والقضاء بحكم الله فيها ، وإعلان الكلمة الأخيرة التي تنتهي إليها الأجيال والقرون . .
وفي التعبير تهويل لهذا الأمر العظيم ، يوحي بضخامة حقيقته حتى لتتجاوز مدى الإدراك :
( وإذا الرسل أقتت . لأي يوم أجلت ? ليوم الفصل . وما أدراك ما يوم الفصل ? ) . .
وظاهر من أسلوب التعبير أنه يتحدث عن أمر هائل جليل . فإذا وصل هذا الإيقاع إلى الحس بروعته وهوله ، الذي يرجح هول النجوم المطموسة والسماء المشقوقة والجبال المنسوفة . ألقى بالإيقاع الرعيب ، والإنذار المخيف :
وقوله : { وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ } قال العوفي ، عن ابن عباس : جمعت . وقال ابن زيد : وهذه كقوله تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ } [ المائدة : 109 ] . وقال مجاهد : { أُقِّتَت } أجلت .
وقال الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم : { أُقِّتَت } أوعدت . وكأنه يجعلها كقوله : { وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } [ الزمر : 69 ] .
وقرأ جمهور القراء : «أقتت » بالهمزة وشد القاف ، وقرأ بتخفيف القاف مع الهمزة عيسى وخالد{[11544]} ، وقرأ أبو عمرو وحده «وقتت » بالواو ، وأبو الأشهب وعيسى وعمرو بن عبيد ، قال عيسى هي لغة سفلى مضر ، وقرأ أو جعفر بواو واحدة خفيفة القاف وهي قراءة ابن مسعود والحسن ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «ووقت » بواوين على وزن فوعلت ، والمعنى جعل لها وقت منتظر فجاء وحان . والواو في هذا كله الأصل والهمزة بدل .
وجُملة { وإذا الرسل أقتت } عطف على الجمل المتقدمة فهي تقييد لوقت حادث يحصل وهي مما جُعل مضمونها علامة على وقوع ما يوعدون به فيلزم أن يكون مضمونها مستقبل الحصول وفي نظم هذه الجملة غموض ودقة . فَأمّا { أُقتت } فأصله وُقتت بالواو في أوله ، يقال : وَقَّت وَقْتاً ، إذا عين وقتاً لعمل ما ، مشتقاً من الوقت وهو الزمان ، فلما بني للمجهول ضمّت الواو وَهو ضم لازم احترازاً من ضمة { ولا تَنْسَوُا الفضل بينكم } [ البقرة : 237 ] لأن ضمة الواو ضمة عارضة ، فجاز إبَدالها همزة لأن الضم على الواو ثقيل فعدل عن الواو إلى الهمزة . وقرأه الجمهور { أقتت } بهمزة وتشديد القاف . وقرأه أبو عمرو وحده بالواو وتشديد القاف ، وقرأه أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف .
وشأن { إذا } أن تكون لمستقبل الزمان فهذا التأقيت للرسل توقيت سيكون في المستقبل ، وهو علامَة على أن ما يُوعدون يحصل مع العلامات الأخرى .
ولا خلاف في أن { أُقِّتَت } مشتقّ من الوقت كما علمت آنفاً ، وأصل اشتقاق هذا الفعل المبني للمجهول أن يكون معناه : جُعِلت وقتاً ، وهو أصل إسناد الفعل إلى مرفوعه ، وقد يكون بمعنى : وُقِّتَ لها وقتٌ على طريقة الحذف والإِيصال .
وإذ كان { إذا } ظرفاً للمستقبل وكان تأجيل الرسل قد حصل قبل نزول هذه الآية ، تعيّن تأويل { أُقِّتَت } على معنى : حَانَ وقتها ، أي الوقت المعيَّن للرسل وهو الوقت الذي أخبرهم الله بأنْ يُنْذِرُوا أممهم بأنَّهُ يحلّ في المستقبل غيرِ المعين ، وذلك عليه قوله : { لأيّ يوم أُجّلت لِيوم الفصل } فإن التأجيل يفسر التوقيت .
وقد اختلفت أقوال المفسرين الأولين في مَحْمَل معنى هذه الآية فعن ابن عباس { أُقِّتت } : جُمعت أي ليوم القيامة قال تعالى : { يوم يجمع الله الرسل } [ المائدة : 109 ] ، وعن مجاهد والنخعي { أقتت } أُجِّلَت . قال أبو علي الفارسي : أي جعل يوم الدين والفصل لها وقتاً .
قال في « الكشاف » : « والوجه أن يكونَ معنى « وقتت » بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة » اه . وهذا صريح في أنه يقال : وُقت بمعنى أُحْضر في الوقت المعيَّن ، وسلمه شراح « الكشاف » وهو معنى مغفول عنه في بعض كتب اللغة أو مطوي بخفاء في بعضها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.