وقوله - سبحانه - : { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ . أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } بيان لما يترتب على قيام الساعة ، وبعث الخلائق ، من خوف ورعب .
أى : قلوب كثيرة فى هذا اليوم الهائل الشديد تكون فى نهاية الاضطراب والفزع . يقال : وجف القلبُ يَجِف وَجْفاً ووجيفا ، إذا ارتفعت ضرباته من شدة الخوف . .
وتكون أبصار أصحاب هذه القلوب خاشعة ، أى ذليلة مهينة ، لما يعتريهم من الفزع الشديد ، والرعب الذى لا حدود له . .
ولفظ " قلوب " مبتدأ ، وتنكيره للتكثير ، وقوله { وَاجِفَةٌ } صفة للقلوب ، وجملة { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } خبر ثان للقلوب .
والمراد بهذه القلوب : قلوب المشركين الذين أنكروا فى الدنيا البعث والجزاء ، فلما بعثوا اعتراهم الرعب الشديد ، والفزع الذى لا يقاربه فزع . .
فأما قلوب المؤمنين فهى - بفضل الله ورحمته - تكون فى أمان واطمئنان ، كما قال - تعالى - : { لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر وَتَتَلَقَّاهُمُ الملائكة هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } وإضافة الأبصار إلى مير القلوب لأدنى ملابسة ، لأن الأبصار لأصحاب هذه القلوب ، وكلاهما من جوارح الأجساد .
وسواء كانت هذه أم تلك . فقد أحس القلب البشري بالزلزلة والرجفة والهول والاضطراب ؛ واهتز هزة الخوف والوجل والرعب والارتعاش . وتهيأ لإدراك ما يصيب القلوب يومئذ من الفزع الذي لا ثبات معه ولا قرار . وأدرك وأحس حقيقة قوله : ( قلوب يومئذ واجفة . أبصارها خاشعة ) . .
فهي شديدة الاضطراب ، بادية الذل ، يجتمع عليها الخوف والانكسار ، والرجفة ، والانهيار . وهذا هو الذي يقع يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ؛ وهذا هو الذي يتناوله القسم بالنازعات غرقا والناشطات نشطا ، والسابحات سبحا ، والسابقات سبقا ، فالمدبرات أمرا . وهو مشهد يتفق في ظله وإيقاعه مع ذلك المطلع .
وقوله : قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ يقول تعالى ذكره : قلوب خَلْقٍ من خلقه يومئذٍ خائفة من عظيم الهول النازل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ يقول : خائفة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : واجفة : خائفة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في «واجفة » ، قال : خائفة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ يقول : خائفة ، وجَفَت مما عاينت يومئذٍ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ قال : الواجفة : الخائفة .
ثم أخبر تعالى عن قلوب تجف ذلك اليوم ، أي ترتعد خوفاً وفرقاً من العذاب ، ووجيف القلب يكون من الفزع ويكون من الإشفاق ، ومنه قول الشاعر قيس بن الحطيم : [ المنسرحُ ]
إن بني جحجما وأسرتهم*** أكبادنا من ورائهم تجف{[11602]}
ورفع { قلوب } بالابتداء وجاز ذلك وهي نكرة لأنها قد تخصصت بقوله : { يومئذ }{[11603]} ، واختلف الناس في جواب القسم أي هو ، فقال الفراء والزجاج : هو محذوف دل الظاهر عليه تقديره : لتبعثن أو لتعاقبن يوم القيامة ، وقال بعض النحاة : هو في قوله تعالى : { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } [ النازعات : 26 ] ، وهذا ضعيف لبعد القول ولأن المعنى هالك يستحق ابن ، وقال آخرون : هو في قوله { يوم } على تقدير حذف اللام كأنه قال ليوم ، وقال آخرون : وهو موجود في جملة قوله تعالى : { يوم ترجف الراجفة قلوب يومئذ واجفة } كأنه قال : لتجفن قلوب يوم كذا .
وتنكير { قلوب } للتكثير ، أي قلوب كثيرة ولذلك وقع مبتدأ وهو نكرة لإِرادة النوعية .
والمراد : قلوب المشركين الذين كانوا يجحدون البعث فإنهم إذا قاموا فعلموا أن ما وعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم به حق توقّعوا ما كان يحذرهم منه من عقاب إنكار البعث والشرك وغير ذلك من أحوالهم .
فأما قلوب المؤمنين فإن فيها اطمئناناً متفاوتاً بحسب تفاوتهم في التقوى .
والخوف يومئذ وإن كان لا يخلو منه أحد إلا أن أشدّه خوف الذين يوقنون بسوء المصير ، ويعلمون أنهم كانوا ضالين في الحياة الدنيا .
والواجفة : المضطربة من الخوف ، يقال : وجف كضرف وجَفَّا ووجيفاً ووجوفاً ، إذا اضطرب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قلوب خَلْقٍ من خلقه يومئذٍ خائفة من عظيم الهول النازل.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
مجاهد: وجلة، السدي: زائلة عن أماكنها...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أخبر تعالى عن قلوب تجف ذلك اليوم، أي ترتعد خوفاً وفرقاً من العذاب، ووجيف القلب يكون من الفزع ويكون من الإشفاق...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فهي شديدة الاضطراب، بادية الذل، يجتمع عليها الخوف والانكسار، والرجفة، والانهيار. وهذا هو الذي يقع يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة؛ وهذا هو الذي يتناوله القسم بالنازعات غرقا والناشطات نشطا، والسابحات سبحا، والسابقات سبقا، فالمدبرات أمرا. وهو مشهد يتفق في ظله وإيقاعه مع ذلك المطلع...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وتنكير {قلوب} للتكثير، أي قلوب كثيرة ولذلك وقع مبتدأ وهو نكرة لإِرادة النوعية...
فأما قلوب المؤمنين فإن فيها اطمئناناً متفاوتاً بحسب تفاوتهم في التقوى. والخوف يومئذ وإن كان لا يخلو منه أحد، إلا أن أشدّه خوف الذين يوقنون بسوء المصير، ويعلمون أنهم كانوا ضالين في الحياة الدنيا...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.