وقوله : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ يقول : يُسقى هؤلاء الأبرار من خمر صِرف لا غشّ فيها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ قال : من الخمر .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ يعني بالرحيق : الخمر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ قال : خمر .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : الرحيق : الخمر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثَور ، عن معمر ، عن قتادة رَحِيقٍ قال : هو الخمر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ يقول : الخمر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ الرحيق المختوم : الخمر قال حسان :
يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ البَرِيصَ عَلَيِهمُ *** بَرَدَى يُصَفّقُ بالرّحِيقِ السّلْسَلِ
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ قال : هو الخمر .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : الرحيق : الخمر .
و «الرحيق » : الخمر الصافية ، ومه قول حسان : [ الكامل ]
يسقون من ورد البريص عليهم*** بردى يصفق بالرحيق السلسل{[11689]}
و { مختوم } ، يحتمل أن يختم على كؤوسه التي يشرب بهما تهمماً وتنظيفاً ، والأظهر أنه مختوم شرابه بالرائحة المسكينة حسبما فسر قوله تعالى : { ختامه مسك }
وجملة { يسقون من رحيق } خبر رابع عن الأبرار أو حال ثالثة منه . وعبر ب { يسقون } دون : يشربون ، للدلالة على أنهم مخدُومون يخدمهم مخلوقات لأجل ذلك في الجنة . وذلك من تمام الترفه ولذة الراحة .
والرحيق : اسم للخمر الصافية الطيبة .
والمختوم : المسدود إناؤه ، أي بَاطيَتُه ، وهو اسم مفعول من خَتمه إذا شدّ بصنف من الطين معروف بالصلابة إذا يبس فيعسر قلعه وإذا قلع ظهر أنه مقلوع كانوا يجعلونه للختم على الرسائل لئلا يقرأ حاملها ما فيها ولذلك يقولون من كرم الكتاب ختمه ويجعلون علامة عليه ، تطبع فيه وهو رَطْب فإذا يبس تعذر فسخها ، ويسمى ما تُطبع به خاتَماً بفتح الفوقية ، وكان الملوك والأمراء والسادة يجعلون لأنفسهم خواتيم يضعونها في أحد الخنصرين ليجدوها عند إصدار الرسائل عنهم ، قال جرير :
إن الخليفة أن الله سربله *** سِرْبَال مُلك به تُزجَى الخواتيم
والختام بوزن كتاب : اسم للطين الذي يُختم به كانوا يجعلون طين الختام على محل السداد من القارورة أو الباطية أو الدن للخمر لمنع تخلل الهواء إليها وذلك أصلح لاختمارها وزيادةِ صفائها وحفظ رائحتها . وجُعل ختام خمر الجنة بعجين المسك عوضاً عن طين الخَتم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يُسقى هؤلاء الأبرار من خمر صِرف لا غشّ فيها...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: الرحيق، هو الخمر الذي لا غش فيه، وهو أن يكون مطهرا من الآفات. وقال بعضهم: هو شيء أعده الله لأوليائه، لم يطلعهم على ماهيته في الدنيا على ما قال: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 17] فهو شراب، تقر به أعينهم، مما أخفي لهم إلى الوقت الذي يشربونه...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{مَّخْتُومٍ} ختمت ومُنعت عن أن يمسها ماس أو تنالها يد إلى أن يفكّ خَتْمها الأبرار يوم القيامة...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و {مختوم}، يحتمل أن يختم على كؤوسه التي يشرب بهما تهمماً وتنظيفاً، والأظهر أنه مختوم شرابه بالرائحة المسكية حسبما فسر قوله تعالى: {ختامه مسك}...
وقال أبو عبيدة والزجاج: {الرحيق} من الخمر ما لا غش فيه ولا شيء يفسده، ولعله هو الخمر الذي وصفه الله تعالى بقوله: {لا فيها غول}.
المسألة الثانية: ذكر الله تعالى لهذا: {الرحيق} صفات:
الصفة الأولى: قوله: {رحيق مختوم}... قال القفال: يحتمل أن هؤلاء يسقون من شراب مختوم قد ختم عليه تكريما له بالصيانة على ما جرت به العادة من ختم ما يكرم ويصان، وهناك خمر آخر تجري منها أنهار كما قال: {وأنهار من خمر لذة للشاربين} إلا أن هذا المختوم أشرف في الجاري...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يسقون} بانياً له للمفعول دلالة على أنهم مخدومون أبداً لا كلفة عليهم في شيء {من رحيق} أي شراب خالص صاف عتيق أبيض مطيب في غاية اللذة،... ولا شك أن العاقل لا يشرب الخمر مطلقاً فكيف بأعلاها إلا- إذا كان- مستكملاً لمقدماتها من مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح وغير ذلك، ولما كان الختم لا يكون إلا لما عظمت رتبته وعزت نفاسته، قال مريداً الحقيقة، أو الكناية عن نفاسته: {مختوم} أي فهو مع نفاسته سالم من الغبار وجميع الأقذاء والأقذار...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة {يسقون من رحيق} خبر رابع عن الأبرار أو حال ثالثة منه. وعبر ب {يسقون} دون: يشربون، للدلالة على أنهم مخدُومون يخدمهم مخلوقات لأجل ذلك في الجنة. وذلك من تمام الترفه ولذة الراحة. والرحيق: اسم للخمر الصافية الطيبة. والمختوم: المسدود إناؤه، أي بَاطيَتُه، وهو اسم مفعول من خَتمه إذا شدّ بصنف من الطين معروف بالصلابة إذا يبس فيعسر قلعه وإذا قلع ظهر أنه مقلوع كانوا يجعلونه للختم على الرسائل لئلا يقرأ حاملها ما فيها ولذلك يقولون من كرم الكتاب ختمه ويجعلون علامة عليه، تطبع فيه وهو رَطْب فإذا يبس تعذر فسخها، ويسمى ما تُطبع به خاتَماً بفتح الفوقية...
وجُعل ختام خمر الجنة بعجين المسك عوضاً عن طين الخَتم...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(يسقون من رحيق مختوم). إنّه ليس كشراب أهل الدنيا الشيطاني، بما يحمل من خبث دافع إلى المعاصي والجنون، بل هو شراب طاهر يذكي العقول ويدب النشاط والصفاء في شاربه. و«الرحيق» كما اعتبره المفسّرون: هو الشراب الخالص الذي لا يشوبه أيَّ غش أو تلوث. و«مختوم»: إشارة إلى أنّه أصلي ويحمل كلّ صفاته المميزة عن غيره من الأشربة ولا يجاريه شراب قطّ، وهذا بحدّ ذاته تأكيد آخر على خلوص الشراب وطهارته. والختم بالصورة المذكورة يظهر مدى الاحترام الخاص لأهل الجنّة، حيث أنّ ذلك الإحكام وتلك الأختام مختصة لهم، ولا يفتحها أحد سواهم.