تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ} (10)

ثم ينادى مناد بالأسود بن عبد الأسد ، أخي عبد الله المؤمن فيريد الشقي أن يدنو ، فينتهرونه ، ويشق صدره حتى يخرج قلبه من وراء ظهره من بين كتفيه ، ويعطى كتابه ، ويجعل كل حسنة عملها في دهره في باطن صحيفته ، لأنه لم يؤمن بالإيمان ، وتجعل سيئاته ظاهر صحيفته ، ويحجب عن الله عز وجل فلا يراه ، ولكن ينادى مناد من عند العرش يذكره مساوئه .

فكلما ذكر مساوئه ، قال : أنا أعرف هذا ، لعنه الله فتجئ اللعنة من عند الله عز وجل ، حتى تقع عليه ، فيلطخ باللعنة ، فيصير جسده مسيرة شهر في طول مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن ، ورأسه مثل الأقرع ، وهو جبل عظيم بالشام وأنيابه مثل أحد ، وحدقتاه مثل جبل حراء ، الذي بمكة ، ومنخره مثل الووقين وهما جبلان ، وشعره في الكثرة مثل الأجمة ، وفي الطول مثل القصب ، وفي الغلظ مثل الرماح ، ويوضع على رأسه تاج من نار ، ويلبس جبة من نحاس ذائب ، ويقلد حجرا من كبريت ، مثل الجبل تشتعل فيه النار ، وتغل يداه إلى عنقه ، ويسود وجهه ، وهو أشد سوادا من القبر ، في ليلة مظلمة ، وتزق عيناه ، فيرجع إلى إخوانه ، فأول ما يرونه يفزع منه الخلائق حتى يمسكوا على آنافهم من شدة نتنه ، فيقولون : لقد أهان الله هذا العبد ، لقد أخزى الله هذا العبد ، فينظرون إلى كتابه ، فإذا سيئاته ظاهرة ، وليس له من الحسنات شيء ، يقولون : أما كان لهذا العبد في الله عز وجل حاجة ، ولا خافه يوما قط ، ولا ساعة ، فحق لهذا العبد ، إذ أخزاه الله وعذبه ، فتلعنه الملائكة أجمعون ، فإذا رجع إلى الموقف لم يعرفه أصحابه ، فيقول : أما تعرفوني ؟ قالوا : لا والله ، فيقول : أنا الأسود بن عبد الأسد ، فينادى بأعلى صوته ، فيقول : { يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه } [ الحاقة :25-28 ] .

يقول : يا ليت كان الموت أن أموت فأستريح من هذا البلاء هلك عن حجتي اليوم ، ثم يقول : الويل ، فيبشر أخوه المؤمنين ، ويبشر هذا الكفار ، فذلك قوله تعالى :{ وأما من أوتي كتابه وراء ظهره }