في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (24)

ثم يذكرهم أن الله لم ينشئ البشر ويمنحهم هذه الخصائص عبثا ولا جزافا لغير قصد ولا غاية . إنما هي فرصة الحياة للابتلاء . ثم الجزاء في يوم الجزاء :

( قل : هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ) . .

والذرء : الإكثار . ويحمل كذلك معنى الانتشار . والحشر : الجمع بعد النشر في الأرجاء . وهما حركتان متقابلتان من الناحية التصورية ، تقابلهما من الناحية المعنوية . ذلك مشهد للإكثار من الخلق ونشرهم أو نثرهم في الأرض . وهذا مشهد لجمعهم منها وحشرهم بعد النشر والنثر ! ويجمعهما السياق في آية واحدة ، ليتقابل المشهدان في الحس والتصور على طريقة القرآن . وليتذكر البشر وهم منتشرون في الأرض أن هناك غاية هم صائرون إليها ، هي الجمع والحشر . وأن هناك أمرا وراء هذا ، ووراء الابتلاء بالموت والحياة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (24)

إعادة فعل { قل } من قبيل التكرير المشعر بالاهتمام بالغرض المسوقة فيه تلك الأقوال .

والذرْء : الإِكثار من الموجود ، فهذا أخص من قوله : { هو الذي أنشأكم } [ الملك : 23 ] أي هو الذي كثَّركم على الأرض كقوله : { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } [ هود : 61 ] أي أعمركم إياها .

والقول في صيغة القصر في قوله : { هو الذي ذرأكم في الأرض } . مثل القول في قوله : { هو الذي أنشأكم } [ الملك : 23 ] الآية .

وقوله : { وإليه تحشرون } أي بعد أن أكثركم في الأرض فهو يزيلكم بموت الأجيال فكني عن الموت بالحشر لأنهم قد علموا أن الحشر الذي أُنذروا به لا يكون إلاّ بعد البعث والبعث بعد الموت ، فالكناية عن الموت بالحشر بمرتبتين من الملازمة ، وقد أدمج في ذلك تذكيرهم بالموت الذي قد علموا أنه لا بد منه ، وإنذارهم بالبعث والحشر .

فتقديم المعمول في { وإليه تحشرون } للاهتمام والرعاية على الفاصلة ، وليس للاختصاص لأنهم لم يكونوا يدعون الحشر أصلاً فضلاً عن أن يدعوه لغير الله .