نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (24)

ولما دل سبحانه على بعدهم عن الهداية وعن الشكر ، اللذين{[67076]} يفخرون على {[67077]}الناس كافة بكل منهما ، واستعطفهم بما أودع فيهم من اللطائف الربانية الروحانية ، المقتضية بنورانيتها للعروج إلى مواطن القدس ومعادن الأنس ، دل على قدرته على حشرهم ، تحذيراً لهم من التمادي في الإعراض ، بمعنى يجده كل منهم في نفسه ، على وجه دال على كمال قدرته ، بما أودع فيهم مع تلك اللطائف مع كثائف طباع الأرض الموجبة للسفول ، ليكون - إذا أعلته تلك اللطائف بالتوبة - مجتهداً في تنقية آثار تلك الكثائف المسفلة ، كما يكون للزرع إذا حصد من بقايا تلك الجذر التي إن لم تقلع من أصلها ، عادت بالنبات إلى ما كان عليه الزرع أولاً ، فقال مستأنفاً بياناً ، لأنه دليل برأسه كاف فيما سبق له : { قل هو } أي وحده { الذي ذرأكم } أي خلقكم وبثكم ، ونشركم وكثركم ، وأنشأكم بعد ما كنتم كالذر أطفالاً ضعفاء ، ثم قواكم ثم جعلكم شيباً ضعفاء ، وأسكنكم الغضب{[67078]} والذعر واللجاج ، الحامل لكم على الولوع بما يلجىء إليه الطباع المثيرة ، { في الأرض } التي تقدم أنه ذللها لكم ، ورزقكم منها النبات الذي تقدم أن{[67079]} إبداءه منها ، ثم رده إليها و{[67080]}إفناءه فيها ، ثم إعادته كما كان ، بعد أن صار رفاتاً وشيئا فانياً مماتاً ، دليل على القدرة{[67081]} على البعث ، لا فرق في ذلك بينه وبينكم أصلاً ، فكان منه البدء { وإليه }{[67082]} وحده . { تحشرون * } شيئاً فشيئاً إلى{[67083]} البرزخ ، و{[67084]}دفعة واحدة يوم البعث ، على أيسر وجه بمن{[67085]} أراد من عباده كرهاً منكم ، كما كان أمركم في الدنيا ، فإنه لم يكن إلى الإنسان منكم أحب من الدعة والسكون ، فكأنه سبحانه يضطره بما أودعه من الطبائع المتضادة ، وأثار له من الأسباب في طلب رزقه ، وغير ذلك من أمره ، إلى السعي إلى حيث يكره ، فكما أنه قدر على ذلك منكم في الابتداء ، فهو يقدر على مثله في الانتهاء ، ليحكم{[67086]} بينكم ويجازي كلاًّ {[67087]}على عمله{[67088]} كما يفعل كل ملك برعيته ، وكل إنسان منكم بجماعته .


[67076]:- من ظ وم، وفي الأصل: الذي.
[67077]:- من ظ وم، وفي الأصل: عنه.
[67078]:- من ظ وم، وفي الأصل: الشيب.
[67079]:- من ظ وم، وفي الأصل: أنه.
[67080]:- زيد من ظ.
[67081]:- زيد في الأصل: ودليل القدرة، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67082]:- زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67083]:- من ظ وم، وفي الأصل: على.
[67084]:- زيد من ظ وم.
[67085]:- من ظ وم، وفي الأصل: مما.
[67086]:- من ظ وم، وفي الأصل: ويحكم.
[67087]:- من ظ وم، وفي الأصل: بعمله.
[67088]:- من ظ وم، وفي الأصل: بعمله.