في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ} (5)

ويخلص من هذه اللمسة التي تصل النفس بالكون ، إلى لمسة أخرى تؤكد حقيقة التقدير والتدبير ، التي أقسم عليها بالسماء والطارق . فهذه نشأة الإنسان الأولى تدل على هذه الحقيقة ؛ وتوحي بأن الإنسان ليس متروكا سدى ، ولا مهملا ضياعا :

( فلينظر الإنسان مم خلق . خلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب ) . .

فلينظر الإنسان من أي شيء خلق وإلى أي شيء صار . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ} (5)

وقوله : { فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ } تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خُلق منه ، وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد ؛ لأن من قدر على البَدَاءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى ، كما قال : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ} (5)

الفاء لتفريع الأمر بالنظر في الخلقة الأولى ، على ما أريد من قوله : { إن كل نفس لما عليها حافظ } [ الطارق : 4 ] من لوازم معناه ، وهو إثبات البعث الذي أنكروه على طريقة الكناية التلويحية الرمزية كما تقدم آنفاً ، فالتقدير : فإن رأيتم البعثَ محالاً فلينظر الإِنسان مِمّ خُلق ليعلَمَ أن الخلق الثاني ليس بأبعد من الخلق الأول .

فهذه الفاء مفيدة مفاد فاء الفصيحة .

والنظر : نظر العقل ، وهو التفكر المؤدي إلى علم شيء بالاستدلال فالمأمور به نظر المُنكر للبعث في أدلة إثباته كما يقتضيه التفريع على : { إن كل نفس لما عليها حافظ } [ الطارق : 4 ] .

و ( مِنْ ) من قوله : { مم خلق } ابتدائية متعلقة ب { خلق } . والمعنى : فليتفكر الإِنسان في جواب : مَا شيء خلق منه ؟ فقدّم المتعلِّق على عامله تبعاً لتقديم ما اتصلت به من ( من ) اسم الاستفهام .

و ( ما ) استفهامية عَلّقت فعل النَّظر العقلي عن العمل .

والاستفهام مستعمل في الإِيقاظ والتنبيه إلى ما يجب علمه كقوله تعالى : { من أي شيء خلقه } [ عبس : 18 ] فالاستفهام هنا مجاز مرسل مركب .

وحذف ألف ( ما ) الاستفهامية على طريقة وقوعها مجرورة .

ولكون الاستفهام غير حقيقي أجاب عنه المتكلم بالاستفهام على طريقة قوله : { عم يتساءلون عن النبأ العظيم } [ النبأ : 1 ، 2 ] .

و { الإِنسان } مراد به خصوص منكر البعث كما علمت آنفاً من مقتضى التفريع في قوله : { فلينظر } إلخ .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ} (5)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فلينظر الإنسان المكذّب بالبعث بعد الممات، المُنكر قُدرة الله على إحيائه بعد مماته،" مِمّ خُلِقَ "يقول: من أيّ شيء خلقه ربه؟ ثم أخبر جلّ ثناؤه عما خلقه منه، فقال: "خُلِقَ مِنْ ماءٍ دَافِقٍ" يعني: من ماء مدفوق، وهو مما أخرجته العرب بلفظ فاعل، وهو بمعنى المفعول...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... الأصل أن إمعان النظر في ما خلق منه الإنسان مما يوصل المنكرين للبعث والمنكرين للرسالة إلى القول، وذلك أن النطفة التي خلق منها الإنسان، لو رئيت موضوعة على طبق، ثم رام أحد أن يعرف وأن ينتزع منها المعنى الذي به صلح أن تنشأ منها العلقة والمضغة، وخلق منها الإنسان، لم يدرك ولو اجتمع الإنس والجن على أن يركبوا عليها جارحة من جوارح الإنسان، لم يتهيأ لهم تركيبها، أو أن يعرفوا المعنى الذي به صلح أن ينشأ منه السمع والبصر، لم يوفقوا له. فتبين أن الذي بلغت قدرته هذا لا يخفى عليه أمر، ولا يعجزه شيء، وتبين لهم حكمته. وإذا عرفوا حكمته أداهم ذلك إلى القول بالبعث.. {خلق من ماء دافق} يعني النطفة التي يدفقها الرجل في الرحم...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

وهو بذلك يحثُّه على النَّظَرِ والاستدلال حتى يعرف كمال قدرته وعلمه وإرادته- سبحانه...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: ما وجه اتصال قوله {فَلْيَنظُرِ} بما قبله؟ قلت: وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظاً، أتبعه توصية الإنسان بالنظر في أوّل أمره ونشأته الأولى، حتى يعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملى على حافظه إلا ما يسره في عاقبته؛ و {مِمَّ خُلِقَ} استفهام جوابه {خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ}...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة، أي أن البعث جائز ممكن...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خُلق منه، وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد؛ لأن من قدر على البَدَاءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27]...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الفاء لتفريع الأمر بالنظر في الخلقة الأولى، على ما أريد من قوله: {إن كل نفس لما عليها حافظ} [الطارق: 4] من لوازم معناه، وهو إثبات البعث الذي أنكروه على طريقة الكناية التلويحية الرمزية كما تقدم آنفاً، فالتقدير: فإن رأيتم البعثَ محالاً فلينظر الإِنسان مِمّ خُلق ليعلَمَ أن الخلق الثاني ليس بأبعد من الخلق الأول. فهذه الفاء مفيدة مفاد فاء الفصيحة. والنظر: نظر العقل، وهو التفكر المؤدي إلى علم شيء بالاستدلال فالمأمور به نظر المُنكر للبعث في أدلة إثباته كما يقتضيه التفريع على: {إن كل نفس لما عليها حافظ} [الطارق: 4]. و (مِنْ) من قوله: {مم خلق} ابتدائية متعلقة ب {خلق}. والمعنى: فليتفكر الإِنسان في جواب: مَا شيء خلق منه؟ فقدّم المتعلِّق على عامله تبعاً لتقديم ما اتصلت به من (من) اسم الاستفهام. و (ما) استفهامية عَلّقت فعل النَّظر العقلي عن العمل. والاستفهام مستعمل في الإِيقاظ والتنبيه إلى ما يجب علمه كقوله تعالى: {من أي شيء خلقه} [عبس: 18] فالاستفهام هنا مجاز مرسل مركب. وحذف ألف (ما) الاستفهامية على طريقة وقوعها مجرورة. ولكون الاستفهام غير حقيقي أجاب عنه المتكلم بالاستفهام على طريقة قوله: {عم يتساءلون عن النبأ العظيم} [النبأ: 1، 2]. و {الإِنسان} مراد به خصوص منكر البعث...