( قل : يجمع بيننا ربنا ، ثم يفتح بيننا بالحق ، وهو الفتاح العليم ) . .
ففي أول الأمر يجمع الله بين أهل الحق وأهل الباطل ، ليلتقي الحق بالباطل وجهاً لوجه ، وليدعو أهل الحق إلى حقهم ، ويعالج الدعاة دعوتهم . وفي أول الأمر تختلط الأمور وتتشابك ، ويصطرع الحق والباطل ؛ وقد تقوم الشبهات أمام البراهين ؛ وقد يغشى الباطل على الحق . . ولكن ذلك كله إلى حين . . ثم يفصل الله بين الفريقين بالحق ، ويحكم بينهم حكمه الفاصل المميز الحاسم الأخير . . ( وهو الفتاح العليم ) . . الذي يفصل ويحكم عن علم وعن معرفة بين المحقين والمبطلين . .
وهذا هو الاطمئنان إلى حكم الله وفصله . فالله لا بد حاكم وفاصل ومبين عن وجه الحق . وهو لا يترك الأمور مختلطة إلا إلى حين . ولا يجمع بين المحقين والمبطلين إلا ريثما يقوم الحق بدعوته ، ويبذل طاقته ، ويجرب تجربته ؛ ثم يمضي الله أمره ويفصل بفصله .
والله سبحانه هو الذي يعلم ويقدر متى يقول كلمة الفصل . فليس لأحد أن يحدد موعدها ، ولا أن يستعجلها . فالله هو الذي يجمع وهو الذي يفتح . ( وهو الفتاح العليم ) . .
وقوله : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا } أي : يوم القيامة ، يجمع [ بين ]{[24338]} الخلائق في صعيد واحد ، ثم يفتح بيننا بالحق ، أي : يحكم بيننا بالعدل ، فيجزي كل عامل بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصرة والسعادة الأبدية ، كما قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } [ الروم : 14 - 16 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ } أي : الحاكم{[24339]} العادل العالم بحقائق الأمور .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لاّ تُسْأَلُونَ عَمّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبّنَا ثُمّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقّ وَهُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء المشركين : أحد فريقينا على هدى والاَخر على ضلال ، لا تُسْألون أنتم عما أجرمنا نحن من جرم ، وركبنا من إثم ، ولا نُسأَلُ نحن عما تعملون أنتم من عمل ، قل لهم : يجمع بيننا ربنا يوم القيامة عنده ، ثم يفتح بيننا بالحقّ . يقول : ثم يقضي بيننا بالعدل ، فيتبين عند ذلك المهتدي منا من الضالّ وَهُوَ الفَتّاحُ العَلِيمُ يقول : والله القاضي العليم بالقضاء بين خلقه ، لأنه لا تخفى عنه خافية ، ولا يحتاج إلى شهود تعرّفه المُحقّ من المبطل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبّنا يوم القيامة ثُمّ يَفْتَحُ بَيْنَنا : أي يقضي بيننا .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَهُوَ الفَتّاحُ العَلِيمُ يقول : القاضي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.