( وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون . . فأرسل فرعون في المدائن حاشرين . إن هؤلاء لشرذمة قليلون . وإنهم لنا لغائظون . وإنا لجميع حاذرون ) . .
وهنا فجوة في الوقائع والزمن لا تذكر في هذا الموضع . فقد عاش موسى وبنو إسرائيل فترة بعد المباراة ، وقعت فيها الآيات الأخرى المذكورة في سورة الأعراف قبل أن يوحي الله لموسى بالرحيل بقومه . ولكن السياق هنا يطويها ليصل إلى النهاية المناسبة لموضوع السورة واتجاهها الأصيل .
لقد أوحى الله إلى موسى إذن أن يسري بعباده . وأن يرحل بهم ليلا ، بعد تدبير وتنظيم . ونبأه أن فرعون سيتبعهم بجنده ؛ وأمره أن يقود قومه إلى ساحل البحر [ وهو في الغالب عند التقاء خليج السويس بمنطقة البحيرات ]
لما طال مُقام موسى ، عليه السلام ، ببلاد مصر ، وأقام بها حُجَج الله{[21726]} وبراهينه على فرعون وملئه ، وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون ، لم يبق لهم إلا العذاب والنكال ، فأمر الله موسى ، عليه السلام ، أن يخرج ببني إسرائيل ليلا من مصر ، وأن يمضي بهم حيث يؤُمَر ، ففعل موسى ، عليه السلام ، ما أمره به ربه عز وجل . خرج بهم بعدما استعاروا من قوم فرعون حليا كثيرا ، وكان خروجه بهم ، فيما ذكر غير واحد من المفسرين ، وقت طلوع القمر . وذكر مجاهد ، رحمه الله ، أنه كُسِف القمر تلك الليلة ، فالله أعلم ، وأن موسى ، عليه السلام ، سأل عن قبر يوسف ، عليه السلام ، فدلته امرأة عجوز من بني إسرائيل عليه ، فاحتمل تابوته معهم ، ويقال : إنه هو الذي حمله بنفسه ، عليهما السلام ، وكان يوسف قد أوصى بذلك إذا خرج بنو إسرائيل أن يحملوه{[21727]} معهم ، وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم ، رحمه الله ، فقال :
حدَّثنا علي بن الحسين ، حدثنا عبد الله بن عمر{[21728]} بن أبان بن صالح ، حدثنا ابن فضيل{[21729]} عن عبد الله{[21730]} بن أبي إسحاق ، عن ابن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي فأكرمه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعاهدنا . فأتاه الأعرابي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما حاجتك ؟ " قال{[21731]} ناقة برحلها وأعنز{[21732]} يحتلبها أهلي ، فقال : " أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل ؟ " فقال له أصحابه : وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله ؟ قال : " إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق ، فقال لبني إسرائيل : ما هذا ؟ فقال له علماء بني إسرائيل : نحن نحِّدثك أن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ علينا موثقًا من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا ، فقال لهم موسى : فأيكم يدري أين قبر يوسف ؟ قالوا : ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل . فأرسل إليها فقال{[21733]} لها : دليني على قبر يوسف . فقالت : والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي . قال لها : وما حكمك ؟ قالت{[21734]} : حكمي أن أكون معك في الجنة . فكأنه ثقل عليه ذلك ، فقيل له : أعطها حكمها . قال : فانطلقت معهم إلى بحيرة - مستنقع ماء - فقالت لهم : أنضبوا هذا الماء . فلما أنضبوه قالت : احتفروا ، {[21735]} فلما احتفروا استخرجوا قبر يوسف ، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار{[21736]} " .
وقوله : وأوْحَيْنا إلى مَوسَى أنْ أسْرِ بعِبادِي يقول : وأوحينا إلى موسى إذ تمادى فرعون في غيّه وأبى إلا الثبات على طغيانه بعد ما أريناه آياتنا ، أن أَسْرِ بعبادي : يقول : أن سر ببني إسرائيل ليلاً من أرض مصر إنّكُمْ مُتّبَعُونَ إن فرعون وجنده متبعوك وقومك من بني إسرائيل ، ليحولوا بينكم وبين الخروج من أرضهم ، أرض مصر .
{ وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي } وذلك بعد سنين أقامها بين أظهرهم يدعوهم إلى الحق ويظهر لهم الآيات فلم يزيدوا إلا عتوا وفسادا ، وقرأ ابن كثير ونافع " أن أسر بعبادي " بكسر النون ووصل الألف من سرى وقرىء " أن سر " من السير . { إنكم متبعون } يتبعكم فرعون وجنوده وهو علة الأمر بالإسراء أي أسر بهم حتى إذا اتبعوكم مصبحين كان لكم تقدم عليهم بحيث لا يدركونكم قبل وصولكم إلى البحر بل يكونون على أثركم حين تلجون البحر فيدخلون مدخلكم فأطبقه عليهم فأغرقهم .
هذه قصة أخرى من أحوال موسى في دعوة فرعون ، فالواو لعطف القصة ولا تفيد قرب القصة من القصة ، فقد لبث موسى زمناً يطالب فرعون بإطلاق بني إسرائيل ليخرجُوا من مصر ، وفرعون يماطل في ذلك حتى رأى الآياتتِ التسعَ كما تقدم في سورة الأعراف . ونظير بعض هذه الآية تقدم في سورة طه . وزادت هذه بقوله : { إنكم متبعون } ، أي أعلم الله موسى أن فرعون سيتبعهم بجنده كما في آية سورة طه . والقصد من إعلامه بذلك تشجيعه .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو جعفر { اِسْرِ } بهمزة وصل فعلَ أمر من ( سَرى ) وبكسر نون { أن } . لأجل التقاء الساكنين . وقرأ الباقون بهمزة قطع وسكون نون ( أنْ ) وفعلا سرى وأسرى متحدان كما تقدم في قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى } [ الإسراء : 1 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.