الأولى- قوله تعالى : " فأسر بعبادي ليلا " أي فأجبنا دعاءه وأوحينا إليه أن أسر بعبادي ، أي بمن آمن بالله من بني إسرائيل . " ليلا " أي قبل الصباح " إنكم متبعون " وقرأ أهل الحجاز " فاسر " بوصل الألف . وكذلك ابن كثير ، من سرى . الباقون " فأسر " بالقطع ، من أسرى . وقد تقدم{[13719]} . وتقدم خروج فرعون وراء موسى في " البقرة والأعراف وطه والشعراء ويونس " {[13720]} وإغراقه وإنجاء موسى " ، فلا معنى للإعادة .
الثانية- أمر موسى عليه السلام بالخروج ليلا . وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف ، والخوف يكون بوجهين : إما من العدو فيتخذ الليل سترا مسدلا ، فهو من أستار الله تعالى . وإما من خوف المشقة على الدواب والأبدان بحر أو جدب ، فيتخذ السرى مصلحة من ذلك . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسري ويدلج{[13721]} ويترفق ويستعجل ، بحسب الحاجة وما تقتضيه المصلحة . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها ){[13722]} . وقد مضى في أول " النحل " {[13723]} ، والحمد لله .
ولما كان ممن يستجيب دعاءه ويكرم نداءه ، سبب عن ذلك قوله : { فأسر } أي فقلنا{[57458]} له : سر عامة الليل - هذا على قراءة المدنيين وابن كثير{[57459]} بوصل الهمزة وعلى قراءة غيرهم بالقطع المعنى{[57460]} : أوقع السرى{[57461]} وهو السير عامة الليل { بعبادي } الذين هم أهل لإضافتهم إلى جنابي ، قومك الذين أرسلناك لإسعادهم باستنقاذهم ممن يظلمهم وتفريغهم لعبادتي {[57462]}لا لعبادة غيري{[57463]} .
ولما كان سبحانه قد تقدم{[57464]} إلى بني إسرائيل في أن يكونوا متهيئين في الليلة التي أمر بالسرى فيها بحيث لا يكون لأحد منهم عاقة أصلاً كما تقدم بيانه في الأعراف عن التوراة ، بين تأكيده لذلك{[57465]} بقوله : { ليلاً } فصار تأكيداً بغير اللفظ ، وإنما أمره بالسير في الليل لأنه أوقع بالقبط موت الأبكار ليلاً ، فأمر فرعون موسى عليه الصلاة والسلام أن يخرج بقومه في ذلك خوفاً من أن يموت القبط .
ولما علم الله تعالى أنهم إن تأخروا إلى {[57466]}أن يطلع الفجر{[57467]} ويرتفع عنهم الموت ، منعوهم{[57468]} الخروج ، وإن تأخروا إلى آخر الليل أدركوهم قبل الوصول إلى البحر فيقتلوهم ، علل هذا الأمر [ بقوله-{[57469]} ] مؤكداً {[57470]}له لأن{[57471]} حال القبط عندما أمروهم بالخروج كان{[57472]} حال من لا يصدق له ترجع{[57473]} في قوله : { إنكم متبعون * } أي مطلوبون بغاية الشهوة والجهد من عدوكم ، فلا يغرنكم ما هم فيه عند أمركم بالخروج من الجزع من إقامتكم{[57474]} بين أظهرهم وسؤالهم لكم في الخروج عنهم بسب وقوع الموت الفاشي{[57475]} فيهم ، فإن القلوب بيد الله ، فهو يقسي قلب فرعون بعد رؤية هذه الآيات حين يرتفع عنهم الموت ويفرغون من دفن موتاهم فيطلبكم لما دبرته في القدم من سياستكم بإغراقهم أجمعين ليظهر مجدي بذلك وأدفع{[57476]} عنكم روع{[57477]} مدافعتهم فإني أعلم أنه لا قوة لكم ولا طاقة{[57478]} بهم ، فلم أكلفكم لمباشرة شيء من أمرهم .