الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَأَسۡرِ بِعِبَادِي لَيۡلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} (23)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " فأسر بعبادي ليلا " أي فأجبنا دعاءه وأوحينا إليه أن أسر بعبادي ، أي بمن آمن بالله من بني إسرائيل . " ليلا " أي قبل الصباح " إنكم متبعون " وقرأ أهل الحجاز " فاسر " بوصل الألف . وكذلك ابن كثير ، من سرى . الباقون " فأسر " بالقطع ، من أسرى . وقد تقدم{[13719]} . وتقدم خروج فرعون وراء موسى في " البقرة والأعراف وطه والشعراء ويونس " {[13720]} وإغراقه وإنجاء موسى " ، فلا معنى للإعادة .

الثانية- أمر موسى عليه السلام بالخروج ليلا . وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف ، والخوف يكون بوجهين : إما من العدو فيتخذ الليل سترا مسدلا ، فهو من أستار الله تعالى . وإما من خوف المشقة على الدواب والأبدان بحر أو جدب ، فيتخذ السرى مصلحة من ذلك . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسري ويدلج{[13721]} ويترفق ويستعجل ، بحسب الحاجة وما تقتضيه المصلحة . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها ){[13722]} . وقد مضى في أول " النحل " {[13723]} ، والحمد لله .


[13719]:راجع ج 9 ص 79.
[13720]:راجع ج 1 ص 389 وما بعدها. و ج 8 ص 377 وما بعدها. وج 11 ص 227 وما بعدها. و ج 13 ص 105 وما بعدها.
[13721]:قوله:" يسري" أي يسير عامة الليل. و" يدلج" أي سار من أول الليل. وربما استعمل آخر الليل.
[13722]:قوله:" في السنة أي في القحط وانعدام نبات الأرض من يبسها. والنقي( بكسر النون وسكون القاف) هو المخ، ومعناه أسرعوا في السير الإبل لتصلوا إلى المقصد وفيها بقية من قوّتها.
[13723]:راجع ج 10 ص 73.