في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ} (4)

( ولا أنا عابد ما عبدتم ) . . توكيد للفقرة الأولى في صيغة الجملة الإسمية وهي أدل على ثبات الصفة واستمرارها

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ} (4)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان المشركون من قومه -فيما ذُكر- عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ، على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة ، فأنزل الله مُعَرّفه جوابهم في ذلك : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة ، على أن يعبدوا إلهك سنة "يا أيّها الكافِرُونَ" بالله "لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ" من الآلهة والأوثان الآن ، "وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ" الآن ، "وَلا أنا عابِدٌ" فيما أستقبل "ما عَبَدْتُمْ" فيما مضى ، "وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ" فيما تستقبلون أبدا "ما أعْبُدُ" أنا الآن ، وفيما أستقبل . وإنما قيل ذلك كذلك ؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُؤَيّسَهم من الذي طمعوا فيه ، وحدّثوا به أنفسهم ، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم ، في وقت من الأوقات ، وآيسَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قُتِل بعضُهم يوم بدر بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك كافرا ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

{ ولا أنا عابد ما عبدتم } على نفي العبادة لما عبدوا في الماضي ، وهذا واضح في أنه لا تكرير في لفظه ولا معناه ....

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } أي : وما كنت قطّ عابداً فيما سلف ما عبدتم فيه . يعني : لم تعهد مني عبادة صنم في الجاهلية ، فكيف ترجى مني في الإسلام ....

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

وخلاصة ما سلف : الاختلاف التام في المعبود ، والاختلاف البين في العبادة ، فلا معبودنا واحد ، ولا عبادتنا واحدة ؛ لأن معبودي منزه عن الندّ والنظير ، متعال عن الظهور في شخص معين ، وعن المحاباة لشعب أو واحد بعينه ، والذي تعبدونه أنتم على خلاف ذلك . كما أن عبادتي خالصة لله وحده ، وعبادتكم مشوبة بالشرك ، مصحوبة بالغفلة عن الله تعالى ، فلا تسمى على الحقيقة عبادة ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على { ولا أنتم عابدون ما أعبد } عطفَ الجملة على الجملة لمناسبة نفي أو يعبدوا الله فأردف بنفي أن يعبد هو آلهتهم ، وعطفُه بالواو صارف عن أن يكون المقصود به تأكيدَ { لا أعبد ما تعبدون } فجاء به على طريقة : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } بالجملة الإسمية . للدلالة على الثبات ، وبكَون الخبر اسم فاعل دالاً على زمان الحال ، فلما نفَى عن نفسه أن يعبد في المستقبل ما يعبدونه بقوله : { لا أعبد ما تعبدون } كما تقدم آنفاً ، صرح هنا بما تقتضيه دلالة الفحوى على نفي أن يعبد آلهتهم في الحال ، بما هو صريح الدلالة على ذلك لأن المقام يقتضي مزيد البيان ، فاقتضى الاعتمادَ على دلالة المنطوق إطناباً في الكلام ، لتأييسهم مما راودوه عليه ولمقابلة كلامهم المردود بمثله في إفادة الثبات . وحصل من ذلك تقرير المعنى السابق وتأكيده ، تبعاً لمدلول الجملة لا لموقعها ، لأن موقعها أنها عطف على جملة : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } وليست توكيداً لجملة : { لا أعبد ما تعبدون } بمرادفها لأن التوكيد للفظ بالمرادف لا يعرف إلا في المفردات ولأن وجود الواو يُعيِّن أنها معطوفة إذ ليس في جملة : { لا أعبد ما تعبدون } واو حتى يكون الواو في هذه الجملة مؤكداً لها ...

وجيء بالفعل الماضي في قوله : { ما عبدتم } للدلالة على رسوخهم في عبادة الأصنام من أزمان مضت ، وفيه رمز إلى تنزهه صلى الله عليه وسلم من عبادة الأصنام من سالف الزمان وإلا لقال : ولا أنا عابد ما كُنا نعبد .

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

{ ولا أنا عابد ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون ما أعبد } فعلى هذا لا معنى لإصراركم على المصالحة والمهادنة معي حول مسألة عبادة الأوثان ، فإنّه أمر محال { لكم دينكم ولي دين } .

...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ} (4)

ذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس : أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبدالمطلب ، وأمية بن خلف ، لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا ، كنا قد شاركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه . وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيدك ، كنت قد شركتنا في أمرنا ، وأخذت بحظك منه ، فأنزل الله عز وجل " قل يا أيها الكافرون " .

وقال أبو صالح عن ابن عباس : أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو استلمت{[16507]} بعض هذه الآلهة لصدقناك ، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه السورة فيئسوا منه ، وآذوه ، وآذوا أصحابه . والألف واللام ترجع إلى معنى المعهود ، وإن كانت للجنس ، من حيث إنها كانت صفة لأي ؛ لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كفره ، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم . ونحوه عن الماوردي : نزلت جوابا ، وعني بالكافرين قوما معينين ، لا جميع الكافرين ؛ لأن منهم من آمن ، فعبد الله ، ومنهم من مات أو قتل على كفره ، وهم المخاطبون بهذا القول ، وهم المذكورون . قال أبو بكر بن الأنباري : وقرأ من طعن في القرآن : قل للذين كفروا { لا أعبد ما تعبدون } وزعم أن ذلك هو الصواب ، وذلك افتراء على رب العالمين ، وتضعيف لمعنى هذه السورة ، وإبطال ما قصده الله من أن يذل نبيه للمشركين بخطابه إياهم بهذا الخطاب الزريّ ، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لب وحجا . وذلك أن الذي يدعيه من اللفظ الباطل ، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى ، وتزيد تأويلا ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم . فمعنى قراءتنا : قل للذين كفروا : يأيها الكافرون ، دليل صحة هذا : أن العربي إذا قال لمخاطبه : قل لزيد : أقبل إلينا ، فمعناه : قل لزيد : يا زيد أقبل إلينا . فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم ، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى ؛ إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم ، فيقول لهم : " يأيها الكافرون " . وهو يعلم أنهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر ، ويدخلوا في جملة أهله إلا وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد ، أو تقع به من جهتهم أذية . فمن لم يقرأ { قل يأيها الكافرون } كما أنزلها الله ، أسقط آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وسبيل أهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها ، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه ، التي منحه الله إياها ، وشرفه بها .

وأما وجه التكرار فقد قيل : إنه للتأكيد في قطع أطماعهم ، كما تقول : والله لا أفعل كذا ، ثم والله لا أفعله . قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد ، قال الله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } [ الرحمن : 13 ] . { ويل يومئذ للمكذبين } [ المطففين : 10 ] . { كلا سيعلمون ، ثم كلا سيعلمون }[ النبأ : 4 - 5 ] . و{ فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا }[ الشرح :5 - 6 ] . كل هذا على التأكيد . وقد يقول القائل : ارم ارم ، اعجل اعجل ، ومنه قوله عليه السلام في الحديث الصحيح : " فلا آذن ، ثم لا آذن ، إنما فاطمة بضعة مني " . خرجه مسلم{[16508]} . وقال الشاعر :

هلا سألتَ جموعَ كندَةَ *** يوم وَلَّوْا أينَ أيْنَا

وقال آخر :

يا لَبَكْرٍ أَنْشِرُوا لِي كُلَيْبًا *** يا لبكرٍ أينَ أينَ الفِرَارُ{[16509]}

وقال آخر :

يا علقمهْ يا علقمهْ يا علقمهْ *** خيرَ تميم كلِّها وأكْرَمَهْ

وقال آخر :

يا أقرعُ بن حابس يا أقرعُ *** إنك إن يصرع أخوك تُصْرَعُ{[16510]}

وقال آخر :

ألا يا اسلمي ثم اسلمي *** ثلاثَ تحياتٍ وإن لم تَكَلَّمِ

ومثله كثير . وقيل : هذا على مطابقة قولهم : تعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، فنجري على هذا أبدا سنة وسنة . فأجيبوا عن كل ما قالوه بضده ، أي إن هذا لا يكون أبدا . قال ابن عباس : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : نحن نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجل بمكة ، ونزوجك من شئت ، ونطأ عقبك ، أي نمشي خلفك ، وتكف عن شتم آلهتنا ، فإن لم تفعل فنحن نعرض عليك خصلة واحدة هي لنا ولك صلاح : تعبد آلهتنا اللات والعزى سنة ، ونحن نعبد إلهك سنة{[16511]} ، فنزلت السورة . فكان التكرار في { لا أعبد ما تعبدون } ؛ لأن القوم كرروا عليه مقالهم مرة بعد مرة . والله أعلم . وقيل : إنما كرر بمعنى التغليظ . وقيل : أي { لا أعبد } الساعة { ما تعبدون . ولا أنتم عابدون } الساعة { ما أعبد } . ثم قال : { ولا أنا عابد } في المستقبل { ما عبدتم . ولا أنتم{ في المستقبل { عابدون ما أعبد } . قاله الأخفش والمبرد . وقيل : إنهم كانوا يعبدون الأوثان ، فإذا ملوا وثنا ، وسئموا العبادة له ، رفضوه ، ثم أخذوا وثنا غيره بشهوة نفوسهم ، فإذا مروا بحجارة تعجبهم ألقوا هذه ورفعوا تلك ، فعظموها ونصبوها آلهة يعبدونها ، فأمر عليه السلام أن يقول لهم : { لا أعبد ما تعبدون } اليوم من هذه الآلهة التي بين أيدكم . ثم قال : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } أي وإنما أنتم تعبدون الوثن الذي اتخذتموه ، وهو عندكم الآن . { ولا أنا عابد ما عبدتم } أي بالأمس من الآلهة التي رفضتموها ، وأقبلتم على هذه . { ولا أنتم عابدون ما أعبد } فإني أعبد إلهي . وقيل : إن قوله تعالى : { لا أعبد ما تعبدون . ولا أنتم عابدون ما أعبد } في الاستقبال . وقوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } على نفي العبادة منه لما عبدوا في الماضي . ثم قال : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } على التكرير في اللفظ دون المعنى ، من قبل أن التقابل يوجب أن يكون : ولا أنتم عابدون ما عبدت ، فعدل عن لفظ عبدت إلى أعبد ، إشعارا بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل ، مع أن الماضي والمستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر . وأكثر ما يأتي ذلك في أخبار الله عز وجل . وقال : " ما أعبد " ، ولم يقل : من أعبد ؛ ليقابل به { ولا أنا عابد ما عبدتم } وهي أصنام وأوثان ، ولا يصلح فيها إلا { ما } دون { من } فحمل الأول على الثاني ، ليتقابل الكلام ولا يتنافى . وقد جاءت { ما } لمن يعقل . ومنه قولهم : سبحان ما سخركن لنا . وقيل : إن معنى الآيات وتقديرها : قل يا أيها الكافرون لا أعبد الأصنام التي تعبدونها ، ولا أنتم عابدون الله عز وجل الذي أعبده ؛ لإشراككم به ، واتخاذكم الأصنام ، فإن زعمتم أنكم تعبدونه ، فأنتم كاذبون ؛ لأنكم تعبدونه مشركين . فأنا لا أعبد ما عبدتم ، أي مثل عبادتكم ، " فما " مصدرية . وكذلك { ولا أنتم عابدون ما أعبد } مصدرية أيضا ، معناه ولا أنتم عابدون مثل عبادتي ، التي هي توحيد .


[16507]:استلم الحجر: لمسه بالقبلة أو باليد.
[16508]:لفظ الحديث كما في صحيح مسلم (باب الفضائل): "... أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول: إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم على بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي، وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤيذني ما آذاها" والبضعة (بالفتح وقد تكسر): القطعة من اللحم.
[16509]:البيت من أبيات المهلهل بن ربيعة قالها بعد أن أخذ بثأر أخيه كليب (راجع الشاهد العاشر بعد المائة في خزانة اّلأدب).
[16510]:البيت لجرير بن عبد الله البجلي. وقيل لعمرو بن خثارم البجلي. (راجع خزانة الأدب في الشاهد الحادي والثمانين بعد الخمسمائة).
[16511]:في حاشية الجمل نقلا عن القرطبي: ثم تعبد آلهتنا، ونعبد إلهك، فنجري على هذا أبدا: سنة وسنة، فنزلت ... الخ.

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ} (4)

{ لا أعبد ما تعبدون } هذا إخبار أنه لا يعبد أصنامهم ، فإن قيل : لم كرر هذا المعنى بقوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } ؟ فالجواب من وجهين :

أحدهما : قاله الزمخشري : وهو أن قوله لا أعبد ما تعبدون يريد في الزمان المستقبل ، وقوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } يريد به فيما مضى ، أي : ما كنت قط عابدا ما عبدتم فيما سلف ، فكيف تطلبون ذلك مني الآن .

الثاني : قاله ابن عطية وهو أن قوله : { لا أعبد ما تعبدون } لما كان يحتمل أن يراد به زمان الحال خاصة قال : { ولا أنا عابد ما عبدتم } أي : أبدا ما عشت ؛ لأن " لا " النافية إذا دخلت على الفعل المضارع خلصته للاستقبال بقوله : { لا أعبد } " لا " يحتمل أن يراد به الحال ، ويحتمل عندي أن يكون قوله : { لا أعبد ما تعبدون } يراد به في المستقبل على حسب ما تقتضيه " لا " من الاستقبال ، ويكون قوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } يريد به في الحال ، فيحصل من المجموع نفي عبادته للأصنام في الحال والاستقبال ، ومعنى الحال في قوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } أظهر من معنى المضي الذي قاله الزمخشري ، ومن معنى الاستقبال ، فإن قولك : ما زيد بقائم بنفي الجملة الاسمية يقتضي الحال .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ} (4)

ولما كان ما نفي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل فيه الماضي ، وكان عدم المشاركة بوجه من الوجوه في زمن من الأزمان أدل على البراءة وأقعد في دوام الاستهانة ، وكانوا يعدون سكوته صلى الله عليه وسلم عنهم فيما قبل النبوة عبادة ، وكانوا غير مقتصرين على عبادة أصنامهم التي اتخذوها ؛ بل إذا خرجوا من الحرم فنزلوا منزلاً نظروا لهم حجراً ليستحسنوه فيعبدونه ، فإن لم يروا حجراً جمعوا شيئاً من تراب وحلبوا عليه شيئاً من لبن وعبدوه ما داموا في ذلك المنزل ، وكان ذلك من أشد ما يعاب به من جهة عدم الشباب ، وأنه لا معبود لهم معين ، قال منبهاً على ذلك كله : { ولا أنا عابد } أي متصف بعبادة { ما عبدتم * } أي فيما سلف ، لم يصح وصفي قط بعبادة ذلك من أول زمانكم إلى ساعاتنا هذه ، فكيف ترجون ذلك مني وأنا لم أفعله ولا قبل النبوة ، ولا كان من شأني قط .