في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ} (35)

وهو يمهد بهذا الجرس العنيف للمشهد الذي يليه : مشهد المرء يفر وينسلخ من ألصق الناس به : ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه ) . . أولئك الذين تربطهم به وشائج وروابط لا تنفصم ؛ ولكن هذه الصاخة تمزق هذه الروابط تمزيقا ، وتقطع تلك الوشائج تقطيعا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ} (35)

وَصَاحِبَتِهِ } أي : زوجته { وَبَنِيهِ } وذلك لأنه{ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ} (35)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ "يقول: فإذا جاءت الصاخة، في هذا اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه. ويعني بقوله: يفرّ من أخيه: يفرّ عن أخيه "وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ" يعني زوجته التي كانت زوجته في الدنيا "وَبَنِيهِ" حَذرا من مطالبتهم إياه بما بينه وبينهم من التّبعات والمظالم. وقال بعضهم: معنى قوله: يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ: يفرّ عن أخيه لئلا يراه، وما ينزل به.

"لكُلّ امْرِئ مِنْهُمْ" يعني من الرجل وأخيه وأمه وأبيه، وسائر من ذُكر في هذه الآية "يَوْمَئِذٍ" يعني يوم القيامة إذا جاءت الصاخّة يوم القيامة "شأْنٌ يُغْنِيهِ" يقول: أمر يغنيه، ويُشغله عن شأن غيره.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وقوله تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه} {وأمه وأبيه} {وصاحبته وبنيه} فجائز أن يكون هذا على تحقيق الفرار، وجائز ألا يكون على التحقيق، ولكن وصف بالفرار لما يوجد منه المعنى الذي يوجد من الفار. قال الله تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101] والوجه فيه أن الأقرباء من شأنهم إذا اجتمعوا استبشر بعضهم ببعض، وأنسوا بالاجتماع، وإذا غابوا سألوا عن أحوالهم، واهتموا لذلك. ثم هم في ذلك اليوم يدعون السؤال عند الغيبة والاستبشار عند الحضرة، حتى كأنه لا أنساب بينهم في الحقيقة، ولكن ما يحل بكل واحد من الاهتمام يشغله عن السؤال عن حال والاستبشار برؤيته حتى يصير كالفرار لوقوع المعنى الذي يوجد من الفار لا على تحقيق الفرار لأنه قال: {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} فما يحل من الشأن يمنعه عن الفرار عن نفسه وعن أقربائه، أو يكون على حقيقة الفرار. وذلك أن الأقرباء لا يوجد منهم القيام بوفاء جملة ما عليهم من الحقوق حتى لا يوجد منهم التقصير، فيخافوا في ذلك اليوم أن يؤاخذوا بذلك، فيحملهم على الفرار، ويفر كل منهم من تحمل ثقل الأقرباء كما قال: {وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى} [فاطر: 18] وقد كانوا يتعاونون في الدنيا في تحمل الأثقال، فيخبر أنهم لا يتعاونون في ذلك اليوم، بل يفرون. ثم جائز أن يكون هذا في الكفرة. وأما أهل الإسلام فإنه يجوز أن تبقى بينهم حقوق القرابة كما أبقيت المودة في ما بين الأخلاء بقوله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [الزخرف: 67]. وإن كان في المسلمين والكفرة جميعا فجائز أن يكون الفرار في بعض الأحوال، وذلك في الوقت الذي لم يتفرغ أحد عن شغل نفسه. فأما إذا آمن، وجاءته البشارة، فهو يقوم بشفاعته، ويسأل عن أحواله، ولا يفر منه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ورتبت أصناف القرابة في الآية حسب الصعود من الصنف إلى من هو أقوى منه تدرجاً في تهويل ذلك اليوم. فابتدئ بالأخ لشدة اتصاله بأخيه من زمن الصبا فينشأ بذلك إلف بينهما يستمر طول الحياة، ثم ارتُقي من الأخ إلى الأبوين وهما أشد قرباً لابْنيهما، وقدمت الأم في الذكر لأن إلْفَ ابنها بها أقوى منه بأبيه وللرعي على الفاصلة، وانتقل إلى الزوجة والبنين وهما مُجتمع عائلة الإِنسان وأشد الناس قرباً به وملازمة. وأطنب بتعداد هؤلاء الأقرباء دون أن يقال: يوم يفر المرء من أقرب قرابته مثلاً لإحضار صورة الهول في نفس السامع...

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ} (35)

قوله تعالى : " يوم يفر المرء من أخيه " أي يهرب ، أي تجيء الصاخة في هذا اليوم الذي يهرب فيه من أخيه ، أي من موالاة أخيه ومكالمته ؛ لأنه لا يتفرغ لذلك ، لاشتغاله بنفسه ، كما قال بعده : " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " أي يشغله عن غيره . وقيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه ، لما بينهم من التبعات . وقيل : لئلا يروا ما هو فيه من الشدة . وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئا ، كما قال : " يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا " [ الدخان : 41 ] . وقال عبد الله بن طاهر الأبهري : يفر منهم لما تبين له من عجزهم وقلة حيلتهم ، إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه ، ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئا سوى ربه تعالى . وذكر الضحاك عن ابن عباس قال : يفر قابيل من أخيه هابيل ، ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه ، وإبراهيم عليه السلام من أبيه ، ونوح عليه السلام من ابنه ، ولوط من امرأته ، وآدم من سوأة بنيه . وقال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من أبيه : إبراهيم ، وأول من يفر من ابنه نوح ، وأول من يفر من امرأته لوط . قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ} (35)

ولما كانت الأم مشاركة له في الإلف ، ويلزم من حمايتها أكثر مما يلزم{[71773]} الأخ وهو لها آلف وإليها أحنّ وعليها أرق وأعطف قال { وأمه } ولما كان الأب أعظم منها في الإلف لأنه أقرب في النوع وللولد عليه من العاطفة لما له من مزيد النفع أكثر ممن قبله قال : { وأبيه * }


[71773]:زيد في الأصل و ظ: في، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.