اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ} (35)

قوله : { يَوْمَ يَفِرُّ المرء } بدل من «إذا » ، ولا يجوز أن يكون «يغنيه » عاملاً ، في «إذا » ، ولا في «يوم » ؛ لأنه صفة ل «شأن » ولا يتقدم معمول الصِّفة على موصوفها .

والعامة على «يغنيه » من الإغناءِ .

وابن محيصن{[59407]} والزهري ، وابنُ أبي عبلة وحميدٌ ، وابن السميفع : «يعنيه » بفتح الياء والعين المهملة من قولهم : عناني في الأمر ، أي : قصدني .

فصل في معنى الآية

قوله : «يَفِرُّ » ، أي : يهرب في يوم مجيء الصاخَّةِ ، «مَنْ أخِيْهِ » أي : من مُوالاةِ أخيهِ ، ومُكالمتهِ لأنه مشتغل بنفسه ، لقوله بعده : { لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ، أي : يشغلهُ عن غيره .

وقيل : إنَّما يفرّ حذراً من مطالبتهم إياه بالتبعات ، يقول الأخُ : ما واسيتنِي بمالك ، والأبوان يقولان : قصرت في برنَا ، والصاحبة تقول : أطمعتني الحرامَ ، والبنون يقولون : ما علمتنا .

وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ، ولا يغنون عنه شيئاً ، لقوله تعالى : { يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً } [ الدخان : 41 ] .

وقال عبد الله بن طاهر : يفرُّ منهم لمَّا تبين له عجزهم ، وقلّة حيلتهم .

وذكر الضحاك عن ابن عباس ، قال : يفر قابيلُ من أخيه هابيل ، ويفرُّ النبي من أمِّه ، ويفرُّ إبراهيمُ من أبيه ، ونوحٌ من ابنه ، ولوطٌ من امرأتهِ ، وآدمُ من سوءةِ بنيهِ{[59408]} .

قال ابنُ الخطيب{[59409]} : المراد : أن الذين كان المرء يفرُّ إليهم في دار الدنيا ، ويستجيرُ بهم ، فإنه يفرُّ منهم في دار الآخرة ، وذكروا في فائدة الترتيب كأنَّه قيل : { يَوْمَ يفرُّ المَرْءُ من أخِيهِ } ، بل من أبويه ، فإنهما أقرب من الأخوين ، بل من الصَّاحبة والولد ؛ لأنَّ تعلُّق القلب بهما أشد من تعلُّقه بالأبوين .


[59407]:ينظر: المحرر الوجيز 5/440، والبحر المحيط 8/421، والدر المصون 6/482.
[59408]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/146).
[59409]:ينظر: الفخر الرازي 31/59.