في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ} (2)

1

( عبس وتولى . أن جاءه الأعمى ) . . بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب ! وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب - سبحانه - أن يواجه به نبيه وحبيبه . عطفا عليه ، ورحمة به ، وإكراما له عن المواجهة بهذا الأمر الكريه !

/خ16

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ} (2)

لأجل مجيء الأعمى له ، ثم ذكر الفائدة في الإقبال عليه ، فقال : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ }

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ} (2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"عَبَسَ": قَبَضَ وجهه تكرّها، "وَتَوَلّى "يقول: وأعرض "أنْ جاءَهُ الأعْمَى" يقول: لأن جاءه الأعمى. وقد ذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يطوّل الألف ويمدّها من أنْ جاءَهُ فيقول: «آنْ جاءَهُ»، وكأنّ معنى الكلام كان عنده: أَأن جاءه الأعمى عبس وتولى؟... وذُكر أن الأعمى الذي ذكره الله في هذه الآية، هو ابن أمّ مكتوم، عوتب النبيّ صلى الله عليه وسلم بسببه...

حدثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدثنا أبي، عن هشام بن عُروة مما عرضه عليه عُروة، عن عائشة قالت: أنزلت "عَبَسَ وَتَوَلّى" في ابن أمّ مكتوم، قالت: أَتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: أرشدني، قالت: وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين، قالت: فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعْرِض عنه، ويُقْبِل على الآخر، ويقول: «أَتَرَى بِما أقُولُهُ بأْسا؟» فيقول: لا، ففي هذا أُنزلت: "عَبَسَ وتَوَلّى".

عن ابن عباس قوله: عَبَسَ وَتَوّلى أنْ جاءَهُ الأعْمَى قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب، وكان يتصدّى لهم كثيرا، ويَحرِص عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى، يقال له عبد الله بن أم مكتوم، يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد الله يستقرئ النبيّ صلى الله عليه وسلم آية من القرآن، وقال: يا رسول الله، عَلّمني مما علّمك الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعَبَس في وجهه وتوّلى، وكرِه كلامه، وأقبل على الآخرين، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ ينقلب إلى أهله، أمسك الله بعض بصره، ثم خَفَق برأسه، ثم أنزل الله: "عَبَسَ وَتَولّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى وَما يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّى أوْ يَذّكّرُ فَتَنْفَعَهُ الذّكْرَى"، فلما نزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلّمه، وقال له: «ما حاجَتُك، هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيْءٍ؟» وإذا ذهب من عنده قال له: «هَل لَكَ حاجَةٌ فِي شَيْءٍ؟» وذلك لما أنزل الله: "أمّا مَنِ اسْتَغْنَى فأنْتَ لَهُ تَصَدّى وَما عَلَيْكَ ألاّ يَزّكّى".

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

معناه: عبس، لأن جاءه الأعمى. أو أعرض لذلك... ووقف على {عَبَسَ وتولى} ثم ابتدئ، على معنى: ألأن جاءه الأعمى فعل ذلك إنكاراً عليه. وروى أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط... وفي ذكر الأعمى نحو من ذلك، كأنه يقول: قد استحق عنده العبوس والإعراض لأنه أعمى، وكان يجب أن يزيده لعماه تعطفا وترؤفاً وتقريباً وترحيباً.

ولقد تأدّب الناس بأدب الله في هذا تأدباً حسناً؛ فقد روي عن سفيان الثوري رحمه الله أنّ الفقراء كانوا في مجلسه أمراء...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وذكر الله تعالى ابن مكتوم بصفة العمى ليظهر المعنى الذي شأن البشر احتقاره، وبين أمره بذكر ضده من غنى ذلك الكافر، وفي ذلك دليل على أن ذكر هذه العاهات متى كانت المنفعة أو لأن شهرتها تعرف السامع صاحبها دون لبس جائز، ومنه قول المحدثين سلمان الأعمش وعبد الرحمن الأعرج وسالم الأفطس ونحو هذا. ومتى ذكرت هذه الأشياء على جهة التنقيص فتلك الغيبة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وعبر عن ابن أم مكتوم ب {الأعمى} ترقيقاً للنبيء صلى الله عليه وسلم ليكون العتاب ملحوظاً فيه أنه لما كان صاحب ضَرارة فهو أجدر بالعناية به، لأن مثله يكون سريعاً إلى انكسار خاطره...

.ولما كان صدور ذلك من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لم يشأ الله أن يفاتحه بما يتبادر منه أنه المقصود بالكلام، فوجهه إليه على أسلوب الغيبة ليكون أول ما يقرع سمعه باعثاً على أن يترقب المعنيَّ من ضمير الغائب فلا يفاجئه العتاب، وهذا تلطف من الله برسوله صلى الله عليه وسلم ليقع العتاب في نفسه مدرجاً وذلك أهون وقعاً، ونظير هذا قوله: {عفا اللَّه عنك لم أذنت لهم} [التوبة: 43]...

فكذلك توجيه العتاب إليه مسنداً إلى ضمير الغائب ثم جيء بضمائر الغيبة فذكر الأعمى تظهر المراد من القصة واتضح المراد من ضمير الغيبة. ثم جيء بضمائر الخطاب على طريقة الالتفات. ويظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم رجا من ذلك المجلس أن يُسلموا فيسلم بإسلامهم جمهور قريش أو جميعهم فكان دخول ابن أم مكتوم قطعاً لسلك الحديث وجعل يقول للنبيء صلى الله عليه وسلم يا رسول الله استدنني، علمني، أرشدني، ويناديه ويكثر النداء والإِلحاح فظهرت الكراهية في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم لعله لقطعه عليه كلامه وخشيته أن يفترق النفر المجتمعون، وفي رواية الطبري أنه استقرأ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ} (2)

{ إن } لأن { جاءه الأعمى } وهو عبد الله بن أم مكتوم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو أشراف قريش إلى الإسلام فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبس وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم فأنزل الله تعالى هذه الآيات

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ} (2)

" أن جاءه " " أن " في موضع نصب لأنه مفعول له ، المعنى لأن جاءه الأعمى ، أي الذي لا يبصر بعينيه . فروى أهل التفسير أجمع أن قوما من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد طمع في إسلامهم ، فأقبل عبد الله بن أم مكتوم ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عبد الله عليه كلامه ، فأعرض عنه ، ففيه نزلت هذه الآية . قال مالك : إن هشام بن عروة حدثه عن عروة ، أنه قال : نزلت " عبس وتولى " في ابن أم مكتوم ، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : يا محمد استدنني{[15795]} ، وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ، ويقول : [ يا فلان ، هل ترى بما أقول بأسا ] ؟ فيقول : [ لا والدمى{[15796]} ما أرى بما تقول بأسا{[15797]} ] ؛ فأنزل الله : " عبس وتولى " . وفي الترمذي مسندا قال : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ، حدثني أبي ، قال هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، قالت : نزلت " عبس وتولى " في ابن أم مكتوم الأعمى ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : يا رسول الله أرشدني ، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ، ويقبل على الآخر ، ويقول : [ أترى بما أقول بأسا ] فيقول : لا ، ففي هذا نزلت . قال : هذا حديث غريب .

الثانية- الآية عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في إعراضه وتوليه عن عبد الله بن أم مكتوم . ويقال : عمرو بن أم مكتوم ، واسم أم مكتوم عاتكة بنت عامر بن مخزوم ، وعمرو هذا : هو ابن قيس بن زائدة بن الأصم ، وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها . وكان قد تشاغل عنه برجل من عظماء المشركين ، يقال كان الوليد بن المغيرة . قال ابن العربي : أما قول علمائنا إنه الوليد بن المغيرة فقد قال آخرون إنه أمية بن خلف والعباس وهذا كله باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين ، ذلك أن أمية بن خلف والوليد كانا بمكة وابن أم مكتوم كان بالمدينة ، ما حضر معهما ولا حضرا معه ، وكان موتهما كافرين ، أحدهما قبل الهجرة ، والآخر ببدر ، ولم يقصد قط أمية المدينة ، ولا حضر عنده مفردا ، ولا مع أحد .

الثالثة- أقبل ابن أم مكتوم والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى ، وقد قوي طمعه في إسلامهم وكان في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم ، فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى فقال : يا رسول الله علمني مما علمك الله ، وجعل يناديه ويكثر النداء ، ولا يدري أنه مشتغل بغيره ، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه ، وقال في نفسه : يقول هؤلاء : إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ، فعبس وأعرض عنه ، فنزلت الآية . قال الثوري : فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول : ( مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ) . ويقول : ( هل من حاجة ) ؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما . قال أنس : فرأيته يوم القادسية راكبا وعليه درع ومعه راية سوداء .

الرابعة- قال علماؤنا : ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالما بأن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بغيره ، وأنه يرجو إسلامهم ، ولكن الله تبارك وتعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصفة ، أو ليعلم أن المؤمن الفقير خير من الغني ، وكان النظر إلى المؤمن أولى وإن كان فقيرا أصلح وأولى من الأمر الآخر ، وهو الإقبال على الأغنياء طمعا في إيمانهم ، وإن كان ذلك أيضا نوعا من المصلحة ، وعلى هذا يخرج قوله تعالى : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى " [ الأنفال : 67 ] الآية على ما تقدم{[15798]} . وقيل : إنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم تأليف الرجل ، ثقة بما كان في قلب ابن مكتوم من الإيمان ، كما قال : ( إني لأصل الرجل وغيره أحب إلي منه ، مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه ) .

الخامسة- قال ابن زيد : إنما عبس النبي صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم وأعرض عنه ؛ لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه ، فدفعه ابن أم مكتوم ، وأبي إلا أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلمه ، فكان في هذا نوع جفاء منه . ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه صلى الله عليه وسلم : " عبس وتولى " بلفظ الإخبار عن الغائب ، تعظيما{[15799]} له ولم يقل : عبست وتوليت .


[15795]:الرواية هنا وفي ابن العربي يا محمد، والمشهور في التفسير يا رسول الله علمني مما علمك الله. وفي رواية: يا رسول الله أرشدني: كما سيأتي للمصنف.
[15796]:الدمى: جمع دمية وهي الصورة، يريد بها الأصنام.
[15797]:ما بين المربعين ساقط من ب.
[15798]:راجع جـ 8 ص 45 فما بعدها.
[15799]:في أ، ح: تعليما.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ} (2)

لأجل-{[71592]} { أن جاءه الأعمى * } الذي ينبغي أن يبالغ في العطف عليه وفي إكرامه جبراً لكسره واعترافاً بحقه في مجيئه ، وذكره{[71593]} بالوصف للإشعار بعذره{[71594]} في الإقدام على قطع الكلام والبعث على الرأفة به-{[71595]} والرحمة له ، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رآه بعد ذلك قال : " مرحباً بمن عاتبني فيه ربي " واستخلفه على المدينة الشريفة عند غزوه مرتين ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه{[71596]} : ورأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سوداء رضي الله عنه .


[71592]:زيد من ظ و م.
[71593]:من ظ و م، وفي الأصل: ذكر.
[71594]:من ظ و م، وفي الأصل: يتعذره.
[71595]:زيد من ظ.
[71596]:راجع المعالم 7/174.