ثم تأتي قصة لوط عقب قصة إبراهيم ، بعد ما هاجر إلى ربه مع إبراهيم ، فنزلا بوادي الأردن ؛ ثم عاش لوط وحده في إحدى القبائل على ضفاف البحر الميت أو بحيرة لوط كما سميت فيما بعد . وكانت تسكن مدينة سدوم . وصار لوط منهم بالصهر والمعيشة .
ثم حدث أن فشا في القوم شذوذ عجيب ، يذكر القرآن أنه يقع لأول مرة في تاريخ البشرية . ذلك هو الميل الجنسي المنحرف إلى الذكور بدلا من الإناث اللاتي خلقهن الله للرجال ، لتتكون من الجنسين وحدات طبيعية منتجة تكفل امتداد الحياة بالنسل وفق الفطرة المطردة في جميع الأحياء . إذ خلقها الله أزواجا : ذكرانا وإناثا . فلم يقع الشذوذ والانحراف إلى الجنس المماثل قبل قوم لوط هؤلاء :
( ولوطا إذ قال لقومه : إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين . أئنكم لتأتون الرجال ، وتقطعون السبيل ، وتأتون في ناديكم المنكر . فما كان جواب قومه إلا أن قالوا : ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين . قال : رب انصرني على القوم المفسدين ) .
ومن خطاب لوط لقومه يظهر أن الفساد قد استشرى فيهم بكل ألوانه . فهم يأتون الفاحشة الشاذة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين :
{ 28-35 } { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ } إلى آخر القصة
تقدم أن لوطا عليه السلام آمن لإبراهيم ، وصار من المهتدين به ، وقد ذكروا أنه ليس من ذرية إبراهيم ، وإنما هو ابن أخي إبراهيم .
فقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } وإن كان عاما ، فلا يناقض كون لوط نبيا رسولا وهو ليس من ذريته ، لأن الآية جيء بها لسياق المدح والثناء على الخليل ، وقد أخبر أن لوطا اهتدى على يديه ، ومن اهتدى على يديه أكمل ممن اهتدى من ذريته بالنسبة إلى فضيلة الهادي ، واللّه أعلم .
قوله تعالى : " ولوطا إذ قال لقومه " قال الكسائي : المعنى وأنجينا لوطا أو أرسلنا لوطا . قال : وهذا الوجه أحب إلي ويجوز أن يكون المعنى واذكر لوطا إذ قال لقومه موبخا أو محذرا " أئنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين " " أئنكم " تقدم القراءة في هذا وبيانها في سورة " الأعراف " {[12404]} . وتقدم قصة لوط وقومه في " الأعراف " و " هود " {[12405]} أيضا .
ولما كان - كما مضى - السياق للابتلاء ، خص بالبسط في القص من لم يكن له ناصر من قومه ، أو كان غريباً منها ، ولذلك أتبع الخليل عليه الصلاة والسلام ابن أخيه الذي أرسله الله إلى أهل سدوم : ناس لا قرابة له فيهم ولا عشيرة ، فقال : { ولوطاً } أي أرسلناه ، وأشار إلى إسراعه في الامتثال بقوله : { إذ } أي وأرسلناه حين { قال لقومه } أهل سدوم الذين سكن فيهم وصاهرهم وانقطع إليهم فصاروا قومه ، حين فارق عمه إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام ، منكراً ما رأى من حالهم ، وقبيح فعالهم ، مؤكداً له إشارة إلى أنه - مع كونه يرونه من أعرف المعارف - جدير بأن ينكر : { إنكم لتأتون الفاحشة } أي المجاوزة للحد في القبح ، فكأنها لذلك لا فاحشة غيرها . ثم علل كونها فاحشة استئنافاً بقوله : { ما سبقكم } أو هي حال مبينة لعظيم جرأتهم على المنكر ، أي غير مسبوقين { بها } وأعرق في النفي بقوله : { من أحد } وزاد بقوله : { من العالمين* } أي كلهم فضلاً عن خصوص الناس ؛
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.