اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

قوله تعالى : «وَلوطاً » إعرابه كإعراب إبراهيم{[41344]} { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ } قرأ أبو عمرو ، وحمزة والكسائي وأبو بكر «أَئِنَّكُم » بالاستفهام{[41345]} ، وقرأ الباقون{[41346]} بلا استفهام ، واتفقوا على استفهام الثانية «لَتَأتُونَ الفاحشة » وهو إتيان الرجال ، { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا } يجوز أن تكون{[41347]} استثنافية جواباً لمن سأل عن ذلك وأن تكون حالية أي مبتدعين لها{[41348]} .

فإن قيل : قال إبراهيم لقومه : «اعْبدُوا اللَّهَ » ، وقال لوطٌ لقومه هاهنا : { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفاحشة } ولم يأمرهم بالتوحيد ، فما الحكمة ؟ .

فالجواب : أنه لما ذكر الله لوطاً عند ذكر إبراهيم كان لوط في زمن إبراهيم فلم يذكر عن لوط أنه أمر قومه بالتوحيد مع الرسول لا بدّ أن يقول ذلك فحكاية لوط وغيرها هاهنا ذكرها الله على سبيل الاخْتِصَار فاقتصر على ما اختص به لوط وهو المنع من الفاحشة ، ولم يذكر عنه الأمر بالتوحيد ، وإن كان قاله في موضع آخر حيث قال : { اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إله غَيْرُهُ }{[41349]} ؛ لأن ذلك قد أتى به إبراهيم ، وسبقه فصار كالمختصِّ به ، وأما المنعُ من عمل قوم «لوط » فكان مختصاً «بلوط » فذكر كل واحد بما اختص به ، وسبق به غَيْرَهُ .

فصل :

دلت الآية على وجوب الحد في اللّواطة ، لأنه سماها فاحشةً ، وقد ثبت أن إتيان الفاحشة يوجب الحدّ ، وأيضاً أن الله تعالى جعل عذاب من أتاها إمطارَ الحجارة عليه عاجلاً وهو الرَّجْمُ . وتقدم الكلام على قوله : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ }{[41350]} .


[41344]:تقدم أن إعراب "إبراهيم" النصب عطفاً على "نوحاً" أو بإضمار "اذكر" أو عطفاً على "هاء" أنجيناه أو الرفع على الابتداء وتقدير الخبر أي "ومن المرسلين إبراهيم" وعلى ذلك فكلمة "لوط" يجوز أن تعرب بالنصب، أو الرفع، بالنصب عطفاً على "إبراهيم"، أو بإضمار اذكر، والرفع على الابتداء وتقدير الخبر.
[41345]:انظر: السبعة لابن مجاهد 500، والحجة لابن خالويه 280، والنشر 2/343، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/255.
[41346]:وهم ابن كثير، ونافع، وابن عامر وحفص عن عاصم وكان ابن كثير يستفهم بغير مد، وحفص عن عاصم يهمز همزتين، ويروى عن نافع المد واتفقوا جميعهم على الاستفهام في "أئنكم" الثانية، انظر: السبعة لابن مجاهد 499، والإتحاف 345.
[41347]:انظر: الكشاف 3/204 فقد جعلها مستأنفة مقررة لفاحشة تلك الفعلة.
[41348]:ذكره في البحر المحيط 7/149.
[41349]:هود: 61.
[41350]:الأعراف: 80.