في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (4)

( إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم ) . .

وهذا بيان لطبيعة الرسالة بعد بيان حقيقة الرسول . وطبيعة هذه الرسالة الاستقامة . فهي قائمة كحد السيف لا عوج فيها ولا انحراف ، ولا التواء فيها ولا ميل . الحق فيها واضح لا غموض فيه ولا التباس . ولا يميل مع هوى ولا ينحرف مع مصلحة . يجده من يطلبه في يسر وفي دقة وفي خلوص .

وهي لاستقامتها - بسيطة لا تعقيد فيها ولا لف ولا دوران . لا تعقد الأمور ولا توقع في إشكالات من القضايا والتصورات والأشكال الجدلية . وإنما تصدع بالحق في أبسط صورة من صوره ، وأعراها عن الشوائب والأخلاط ، وأغناها عن الشرح ، وتفصيص العبارات وتوليد الكلمات ، والدخول بالمعاني في الدروب والمنحنيات ! يمكن أن يعيش بها ومعها البادي والحاضر ، والأمي والعالم ، وساكن الكوخ وساكن العمارة ؛ ويجد فيها كل حاجته ؛ ويدرك منها ما تستقيم به حياته ونظامه وروابطه في يسر ولين .

وهي مستقيمة مع فطرة الكون وناموس الوجود ، وطبيعة الأشياء والأحياء حول الإنسان ، فلا تصدم طبائع الأشياء ، ولا تكلف الإنسان أن يصدمها ، إنما هي مستقيمة على نهجها ، متناسقة معها ، متعاونة كذلك مع سائر القوانين التي تحكم هذا الوجود وما فيه ومن فيه .

وهي من ثم مستقيمة على الطريق إلى الله ، واصلة إليه موصلة به ، لا يخشى تابعها أن يضل عن خالقه ، ولا أن يلتوي عن الطريق إليه . فهو سالك درباً مستقيماً واصلاً ينتهي به إلى رضوان الخالق العظيم .

والقرآن هو دليل هذا الصراط المستقيم . وحيثما سار الإنسان معه وجد هذه الاستقامة في تصويره للحق ، وفي التوجيه إليه ، وفي أحكامه الفاصلة في القيم ، ووضع كل قيمة في موضعها الدقيق .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (4)

1

{ على صراط مستقيم }

المفردات :

على صراط مستقيم : طريق قويم ، من عقائد صحيحة وشرائع حقة .

التفسير :

أنت على طريق قويم واضح سهل ميسر وشريعة سهلة سمحة لا تعنت فيها ولا التواء وكتاب واضح في بيان العقيدة والشريعة ، والحق والباطل والحلال والحرام وهذا الكتاب وهذه الشريعة وهي الإسلام بسيطة سهلة يفهمها الأمي والمتعلم وساكن الكوخ وساكن القصر ورجل البادية ورجل المدينة والقرآن يعطي لكل إنسان ما يناسبه والإسلام دين الله المستقيم وقد مدح القرآن الاستقامة .

قال سبحانه : إن الذين قالوا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا . . . ( فصلت : 30 ) .

وفي سورة الفاتحة : اهدنا الصراط المستقيم . ( الفا تحة : 6 ) .

وقال رجل : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا وأقلل فيه لعلي أعيه فقال له صلى الله عليه وسلم : " قل آمنت بالله ثم استقم " . 5

وقال تعالى : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله . . ( الأنعام : 153 ) .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (4)

ولما كان الأنبياء عليهم السلام من نوره صلى الله عليه وسلم ، لأنه أولهم خلقاً وآخرهم بعثاً ، فكانوا في الحقيقة إنما هم ممهدون لشرعه ، وكان سبحانه إنما أرسله ليتمم مكارم الأخلاق ، وكان قد جعل سبحانه من المكارم أن لا يكلم الناس إلا بما تسع عقولهم ، وكانت عدة المرسلين كما في حديث أبي أمامة الباهلي عن أبي ذر رضي الله عنهما عند أحمد في المسند ثلاثمائة وخمسة عشر ، وفيه أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، وهو في الطبراني الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر عدد الرسل فقط ، وكانت عقول العرب لا تسع بوجه قبل الإيمان أنهم منه ، أقسم سبحانه ظاهراً أنه منهم ورمزاً للأصفياء باطناً إلى أنهم منه ، بجعلهم عدد أسماء حروف اسمه محمد صلى الله عليه وسلم الذي رمز إليه بالحرفين أول السورة ، فكأنه قال : إنك يا ياسين الذي تأويله محمد الذي عدد أسماء حروفه بعددهم لأصلهم ، فصار رمزاً في رمز ، وكنزاً نفيساً داخل كنز ، وسراً من سر ، وبراً إلى بر ، وهو أحلى في منادمة الأحباب من صريح الخطاب ، ثم علق باسم المفعول قوله : { على صراط } أي طريق واسع واضح { مستقيم * } أي أنت من هؤلاء الذين قد ثبت لهم أنهم عليه ، وهو الصراط المستقيم الأكمل المتقدم في الفاتحة لأنه لخواص المنعم عليهم ولقوله تعالى في حق موسى وهارون عليهما السلام { وهديناهما الصراط المستقيم } فيكون تنوينه - بما أرشد إليه القسم والتأكيد - للتعظيم ، والمعنى أنهم قد ثبت لهم هذا الوصف العظيم وأنت منهم بما شاركتهم فيه من الأدلة ، فليس لأحد أن يخصك من بينهم بالتكذيب .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما أوضحت سورة سبأ وسورة فاطر من عظيم ملكه تعالى وتوحده بذلك وانفراده بالملك والخلق والاختراع ما تنقطع العقول دون تصور أدناه ، ولا تحيط من ذلك إلا بما شاء ، وأشارت من البراهين والآيات إلى ما يرفع الشكوك ويوضح السلوك مما كانت الأفكار قد خمدت عن إدراكها ، واستولت عليها الغفلة فكأن قد جمدت عن معهود حراكها ، ذكر سبحانه بنعمة التحريك إلى اعتبارها بثنائه على من اختاره لبيان تلك الآيات ، واصطفاه لإيضاح تلك البينات ، فقال تعالى { يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم } ثم قال { لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهو غافلون } فأشار سبحانه إلى ما تثمر نعمة الإنذار ، ويبعثه التيقظ بالتذكار ؛ ثم ذكر علة من عمي بعد تحريكه وإن كان مسبباً عن الطبع وشر السابقة { لقد حق القول على أكثرهم } الآيات ؛ ثم أشار بعد إلى أن بعض من عمي عن عظيم تلك البراهين لأول وهلة قد يهتز عند تحريكه لسابق سعادته فقال تعالى : { إنا نحن نحيي الموتى } فكذلك نفعل بهؤلاء إذا شئنا هدايتهم { أو من كان ميتاً فأحييناه } ثم ذكر دأب المعاندين وسبيل المكذبين مع بيان الأمر فقال { واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية } - الآيات ، واتبع ذلك سبحانه بما أودع في الوجود من الدلائل الواضحة والبراهين فقال { ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون } الآية ، ثم قال { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها } إلى قوله : { أفلا تشكرون } ثم قال { وآية لهم الّيل نسلخ منه النهار } { وكل في فلك يسبحون } ثم قال { وآية لهم أنا حملنا ذريتهم } إلى قوله : { إلى حين } ثم ذكر إعراضهم مع عظيم هذه البراهين وتكذيبهم وسوء حالهم عند بعثتهم وندمهم وتوبيخهم وشهادة اعضائهم بأعمالهم ، ثم تناسجت الآي جارية على ما يلائم ما تقدم إلى آخر السورة - انتهى .