في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

وهنا يرسم مشهداً حسياً لهذه الحالة النفسية ، يصورهم كأنهم مغلولون ممنوعون قسراً عن النظر ، محال بينهم وبين الهدى والإيمان بالحواجز والسدود ، مغطى على أبصارهم فلا يبصرون :

( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ، فهي إلى الأذقان ، فهم مقمحون .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

1

{ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون }

المفردات :

أغلالا : جمع غل ، وهو ما تجمع به اليد على العنق للتعذيب .

مقمحون : رافعون رؤوسهم لا يستطيعون خفضها ، غاضون أبصارهم في عدم التفاتهم إلى الحق وهو تمثيل يراد به أنهم لا يذعنون للإيمان ولا يخفضون نفوسهم له .

التفسير :

قمح البعير : إذا أصابه داء يفرض عليه أن يظل رأسه مرفوعا فالكفار أعرضوا عن الحق واستكبروا وأصروا على الكفر كأن في أعناقهم طوقا من الحديد يكون ملتقى طرفيه تحت الذقن فلا يمكن أحدهم من أن يطأطئ رأسه فلا يزال مقمحا ، رأسه مرفوع إلى أعلى ونظره منخفض إلى أسفل والمراد أنهم بتكبرهم وتجبرهم كأنهم ممنوعون عن اتباع الحق مصورون بصورة إنسان لا يكاد يرى الحق أو يلتفت إلى جهته أو يحني له رأسه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

ولما كان المعنى أنه لا يتجدد منهم إيمان بعد البيان الواضح والحكمة الباهرة ، وكان ذلك أمراً عجباً ، علله بما يوجبه من تمثيل حالهم تصويراً لعزته سبحانه وباهر عظمته الذي لفت الكلام إليه لإفهامه - وهذا الذي ذكر هو اليوم معنى ومثال وفي الآخرة ذات ظاهر - أنه ما انفك عنهم أصلاً وما زال ، فقال : { إنا جعلنا } أي بما لنا من العظمة ، وأكده لما لهم من التكذيب { في أعناقهم أغلالاً } أي من ظلمات الضلالات كل عنق غل ، وأشار بالظرف إلى أنها من ضيقها لزت اللحم حتى تثنى على الحديد فكاد يغطيه فصار - والعنق فيه - كأنه فيها وهي محيطة به .

ولما كان من المعلوم أن الحديد إذا وضع في العنق أنزله ثقله إلى المنكب ، لم يذكر جهة السفل وذكر جهة العلو فقال : { فهي } أي الأغلال بعرضها واصلة بسبب هذا الجعل { إلى الأذقان } جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين ، فهي لذلك مانعة من مطاطأة الرأس . ولما كان هذا من رفع الرأس فعل المتكبر ، وكان تكبرهم في غير موضعه ، بيّن تعالى أنهم ملجؤون إليه فهو ذل في الباطن وإن كان كبراً في الظاهر فقال : { فهم } أي بسبب هذا الوصول { مقمحون * } من أقمح الرجل - إذا أقمحه غيره أي جعله قامحاً أي رافعاً رأسه غاضاً بصره لا ينظر إلا ببعض بصره هيئة المتكبر ، وأصله من قولهم : قمح البعير - إذا رفع رأسه عند الشرب ولم يشرب الماء ، قال في الجمع بين العباب والمحكم : قال بشر بن أبي حازم يصف سفينة ، قال أبو حيان : ميتة أحدهم ليدفنها :

ونحن على جوانبها قعود *** نغض الطرف كالإبل القماح

وقال الرازي في اللوامع : والمقمح : الذي يضرب رأسه إلى ظهره هيئة البعير ، وقال القزاز : والمقمح : الشاخص بعيينه الرافع رأسه . أبو عمرو : والقامح من الإبل هو الذي لا يشرب وهو عطشان عطشاً شديداً ولا تقبل نفسه الماء ، والقمح مصدر قمحت الشيء والاقتماح : أخذك الشيء في راحتك ثم تقحمه في فيك أي تبتلعه ، والاسم القمحة كاللقمة والأكلة - انتهى . وكأن المقمح من هذا لأن هيئته عند هذا الابتلاع رفع الرأس وغض الطرف أو شخوصه إذا عسر عليه الابتلاع - والله أعلم ، فهذا تمثيل لرفعهم رؤوسهم عن النظر إلى الداعي تكبراً وشماخة بحيث لو أمكنهم أن يسكنوا الجو لم يتأخروا صلافة وتيهاً ، أو لأنهم يتركون هذا الأمر العظيم الحسن الجدير بأن يقبل عليه ويتروى منه وهم في غاية الحاجة إليه ، فهم في ذلك كالبعير القامح ، إنما منعه من الماء مع شدة عطشه مانع عظيم أقمحه ، ولكنه خفي أمره فلم يعلم ما هو ، ولذلك بنى الاسم للمفعول إشارة إلى أنهم مقهورون على تفويت حظهم من هذا الأمر الجليل .