في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي خَوۡضٖ يَلۡعَبُونَ} (12)

. ( الذين هم في خوض يلعبون ) . .

وهذا الوصف ينطبق ابتداء على أولئك المشركين ومعتقداتهم المتهافتة ، وتصوراتهم المهلهلة ؛ وحياتهم القائمة على تلك المعتقدات وهذه التصورات ، التي وصفها القرآن وحكاها في مواضع كثيرة . وهي لعب لا جد فيه . لعب يخوضون فيه كما يخوض اللاعب في الماء ، غير قاصد إلى شاطئ أو هدف ، سوى الخوض واللعب !

ولكنه يصدق كذلك على كل من يعيش بتصور آخر غير التصور الإسلامي . . وهذه حقيقة لا يدركها الإنسان إلا حين يستعرض كل تصورات البشر المشهورة - سواء في معتقداتهم أو أساطيرهم أو فلسفاتهم - في ظل التصور الإسلامي للوجود الإنساني ثم للوجود كله . . إن سائر التصورات - حتى لكبار الفلاسفة الذين يعتز بهم تاريخ الفكر الإنساني تبدو محاولات أطفال يخبطون ويخوضون في سبيل الوصول إلى الحقيقة . تلك الحقيقة التي تعرض في التصور الإسلامي - وبخاصة في القرآن - عرضا هادئا ناصعا قويا بسيطا عميقا . يلتقي مع الفطرة التقاء مباشرا دون كد ولا جهد ولا تعقيد . لأنه يطالعها بالحقيقة الأصيلة العميقة فيها . ويفسر لها الوجود وعلاقتها به ، كما يفسر لها علاقة الوجود بخالقه تفسيرا يضاهي ما استقر فيها ويوافقه .

وطالما عجبت وأنا أطالع تصورات كبار الفلاسفة ؛ وألاحظ العناء القاتل الذي يزاولونه ، وهم يحاولون

تفسير هذا الوجود وارتباطاته ؛ كما يحاول الطفل الصغير حل معادلة رياضية هائلة . . وأمامي التصور القرآني واضحا ناصعا سهلا هينا ميسرا طبيعيا ، لا عوج فيه ولا لف ولا تعقيد ولا التواء . وهذا طبيعي ، فالتفسير القرآني للوجود هو تفسير صانع هذا الوجود لطبيعته وارتباطاته . . أما تصورات الفلاسفة فهي محاولات أجزاء صغيرة من هذا الوجود لتفسير الوجود كله . والعاقبة معروفة لمثل هذه المحاولات البائسة !

إنه عبث . وخلط . وخوض . . حين يقاس إلى الصورة المكتملة الناضجة ، المطابقة ، التي يعرضها القرآن على الناس ، فيدعها بعضهم إلى تلك المحاولات المتخبطة الناقصة ، المستحيلة الاكتمال والنضوج !

وإن الأمور لتظل مضطربة في حس الإنسان وتصوره ، متأثرة بالتصورات المنحرفة ، وبالمحاولات البشرية الناقصة . . ثم يسمع آيات من القرآن في الموضوع الذي يساوره . فإذا النور الهادئ . والميزان الثابت . وإذا هو يجد كل شيء في موضعه ، وكل أمر في مكانه ، وكل حقيقة هادئة مستقرة لا تضطرب ولا تمور . ويحس بعدها أن نفسه استراحت ، وأن باله هدأ ، وأن عقله اطمأن إلى الحق الواضح ، وقد زال الغبش والقلق واستقرت الأمور .

كذلك يبدو أن الناس في خوض يلعبون من ناحية اهتماماتهم في الحياة . حين تقاس بالاهتمامات التي يثيرها الإسلام في النفس ، ويعلق بها القلب ، ويشغله بتدبرها وتحقيقها . وتبدو تفاهة تلك الاهتمامات وضآلتها ، والمسلم ينظر إلى اشتغال أهلها بها ، وانغماسهم فيها ، وتعظيمهم لها ، وحديثهم عنها كأنها أمور كونية عظمى ! وهو ينظر إليهم كما ينظر إلى الأطفال المشغولين بعرائس الحلوى وبالدمى الميتة ، يحسبونها شخوصا ؛ ويقضون أوقاتهم في مناغاتها واللعب معها وبها ! ! !

إن الإسلام يرفع من اهتمامات البشر بقدر ما يرفع من تصورهم للوجود الإنساني وللوجود كله ؛ وبقدر ما يكشف لهم عن علة وجودهم وحقيقته ومصيره ؛ وبقدر ما يجيب إجابة صادقة واضحة عن الأسئلة التي تساور كل نفس : من أين جئت ? لماذا جئت ? إلى أين أذهب ?

وإجابة الإسلام عن هذه الأسئلة تحدد التصور الحق للوجود الإنساني وللوجود كله . فإن الإنسان ليس بدعا من الخلائق كلها . فهو واحد منها . جاء من حيث جاءت . وشاركها علة وجودها . ويذهب إلى حيث تقتضي حكمة خالق الوجود كله أن يذهب . فالإجابة على تلك الأسئلة تشمل كذلك تفسيرا كاملا للوجود كله ، وارتباطاته وارتباطات الإنسان به . وارتباط الجميع بخالق الجميع .

وهذا التفسير ينعكس على الاهتمامات الإنسانية في الحياة ؛ ويرفعها إلى مستواه . ومن ثم تبدو اهتمامات الآخرين صغيرة هزيلة في حس المسلم المشغول بتحقيق وظيفة وجوده الكبرى في هذا الكون ، عن تلك الصغائر والتفاهات التي يخوض فيها اللاعبون !

إن حياة المسلم حياة كبيرة - لأنها منوطة بوظيفة ضخمة ، ذات ارتباط بهذا الوجود الكبير ، وذات أثر في حياة هذا الوجود الكبير . وهي أعز وأنفس من أن يقضيها في عبث ولهو وخوض ولعب . وكثير من اهتمامات الناس في الأرض يبدو عبثا ولهوا وخوضا ولعبا حين يقاس إلى اهتمامات المسلم الناشئة من تصوره لتلك الوظيفة الضخمة المرتبطة بحقيقة الوجود .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي خَوۡضٖ يَلۡعَبُونَ} (12)

1

المفردات :

في خوض : في اندفاع عجيب في الأباطيل والأكاذيب ، وأصل الخوض : المشي في الماء ، ثم استعمل في الشروع في كل شيء ، وغلب على الخوض في الباطل ، قال تعالى : وخُضتم كالذي خاضوا . . . ( التوبة : 69 ) .

11-12 : { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } .

في ذلك اليوم الذي تضطرب فيه السماء ، وتُسيَّر الجبال ، هلاك وعذاب شديد يومئذ للمكذّبين بالرسل ، والمكذبين بالكتب السماوية ، الذين يخوضون في الباطل ، ويتشاغلون بكفرهم عن الحساب والجزاء .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي خَوۡضٖ يَلۡعَبُونَ} (12)

في خوضٍ يلعبون : الذي يلْهون بالباطل ، وأصل الخوض : السيرُ في الماء ، ثم غلبَ على الخوض في الباطل .

الذين يخوضون في الباطل ويتخذون الدينَ لَهواً ولعبا .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي خَوۡضٖ يَلۡعَبُونَ} (12)

شرح الكلمات :

{ في خوض يلعبون } : أي في باطل يلعبون أي يتشاغلون بكفرهم .

المعنى :

وقوله : { الذين هم في خوص يلعبون } أي في باطلهم وكفرهم يتشاغلون به عن الإِيمان الحق العمل الصالح المزكى للنفس المطهر لها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي خَوۡضٖ يَلۡعَبُونَ} (12)

ثم ذكر وصف المكذبين الذين استحقوا به الويل ، فقال : { الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } أي : خوض في الباطل ولعب به . فعلومهم وبحوثهم بالعلوم الضارة المتضمنة للتكذيب بالحق ، والتصديق بالباطل ، وأعمالهم أعمال أهل الجهل والسفه واللعب ، بخلاف ما عليه أهل التصديق والإيمان من العلوم النافعة ، والأعمال الصالحة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي خَوۡضٖ يَلۡعَبُونَ} (12)

" الذين هم في خوض يلعبون " أي في تردد في الباطل ، وهو خوضهم في أمر محمد بالتكذيب . وقيل : في خوض في أسباب الدنيا يلعبون لا يذكرون حسابا ولا جزاء . وقد مضى في " التوبة{[14291]} " .


[14291]:راجع جـ 8 ص 201.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي خَوۡضٖ يَلۡعَبُونَ} (12)

ولما كان التكذيب قد يكون في محله ، بين أن المراد تكذيب ما محله الصدق فقال : { الذين هم } أي من بين الناس بظواهرهم وبواطنهم { في خوض } أي أعمالهم وأقوالهم أعمال الخائض في ماء ، فهو لا يدري أين يضع رجله . ولما كان ذلك قد يكون من دهشة بهم أو غم ، نفى ذلك بقوله : { يلعبون * } فاجتمع عليهم أمران موجبان للباطل : الخوض واللعب ، فهم بحيث لا يكاد يقع لهم قول ولا فعل في موضعه ، فلا يؤسس على بيان أو حجة .