في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ كِفَاتًا} (25)

ثم جولة في هذه الأرض ، وتقدير الله فيها لحياة البشر ، وإيداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة :

ألم نجعل الأرض كفاتا ? أحياء وأمواتا ? وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ? ويل يومئذ للمكذبين . .

ألم نجعل الأرض كفاتا تحتضن بنيها أحياء وأمواتا .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ كِفَاتًا} (25)

16

المفردات :

الأرض كفاتا : وعاء ، تضم الأحياء على ظهرها ، والأموات في بطنها .

رواسي شامخات : جبالا ثوابت مرتفعات .

ماء فراتا : حلوا عذبا .

التفسير :

28- ألم نجعل الأرض كفاتا* أحياء وأمواتا* وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناهم ماء فراتا* ويل يومئذ للمكذبين .

كفاتا : وعاء .

جعلنا الأرض وعاء لكم منها تأكلون وتشربون ، وعلى طرقها تسيرون ، وتسكنون دورها ومنازلها ، وجعل الأرض جامعة لأمر معاشكم وتجاركم وتنقلاتكم ، فهي ضامة وجامعة للأحياء على ظهرها ، وللأموات في بطنها ، حيث يدفنون في بطنها ، وتستر الأموات من رؤوسهم إلى أقدمهم .

قال تعالى : ثم أماته ، فأقبره . ( عبس : 21 ) .

أي : أسكنه القبر ، وهي نعمة أيّ نعمة .

قال الشعبي : بطنها لأمواتكم ، وظهرها لأحيائكم .

وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى . ( طه : 55 ) .

قال المفسرون : الكفت : الجمع والضمّ ، فالأرض تجمع وتضم إليها جميع البشر ، فهي كالأمّ لهم ، الأحياء يسكنون فوق ظهرها في المنازل والدّور ، والأموات يسكنون في بطونها في القبور . اه .

وجاء التنكير للتفخيم كأنه قيل : تكفت أحياء لا يعدّون على ظهرها ، وتكفت أمواتا لا يحصرون في بطنها .

وجعلنا فيها رواسي شامخات . . .

جعلنا فيها ثوابت مرتفعات ، فالجبال تثبت الأرض ، وتمسكها من الفوران بسبب الزلازل والبراكين والحمم التي بداخلها .

قال تعالى : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم . . . ( النحل : 15 ) .

وأسقيناكم ماء فراتا .

وأسقيناكم ماء عذبا لذيذا ، والقرآن يمتن علينا بالماء والبساتين والزروع والثمار عقب ذكر الجبال .

قال تعالى : والجبال أرساها* متاعا لكم ولأنعامكم . ( النازعات : 32 ، 33 ) .

فالجبال تثبّت الأرض وتحفظ توازنها ، وإليها يلجأ العبّاد والزهاد ، والراغبون في الخلوة ، والهاربون من الحياة .

وفي قللها ورؤوسها نجد الثلوج والمياه ، مثل جبل الشيخ في سوريا الذي تعلوه طبقة بيضاء من الثلج ، تذوب في الصيف وتنزل على الوديان فتسقي الزرع ، وتفيد الإنسان والحيوان .

قال تعالى : وجعلنا من الماء كل شيء حيّ . . . ( الأنبياء : 30 ) .

فالماء في البحار وفي الأنهار ، وفي العيون والآبار ، مصدر حياة ونعمة للإنسان والحيوان والزروع وسائر الأحياء .

ويل يومئذ للمكذبين .

هلاك في يوم القيامة للمكذبين برسل الله ، والكافرين بنعم الله رب العالمين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ كِفَاتًا} (25)

{ 25 - 28 } { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ }

أي : أما امتننا{[1326]}  عليكم وأنعمنا ، بتسخثير الأرض لمصالحكم ، فجعلناها { كِفَاتًا } لكم .


[1326]:- في ب: أمامننا.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ كِفَاتًا} (25)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

أليس قد جعل لكم الأرض كفاتا لكم، تدفنون فيها أمواتكم وتبثون عليها أحياءكم، وتسكنون عليها، فقد كفت الموتى والأحياء.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره منبها عباده على نعمه عليهم:"أَلمْ نَجْعَلِ "أيها الناس "الأرْضَ" لكم "كِفاتا" يقول: وعاء تقول: هذا كفت هذا وكفيته، إذا كان وعاءه.

وإنما معنى الكلام: ألم نجعل الأرض كِفاتَ أحيائكم وأمواتكم، تَكْفِت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمهم فيها وتجمعهم، وأمواتَكم في بطونها في القبور، فيُدفَنون فيها.

وجائز أن يكون عُني بقوله: "كِفاتا أحْياء وأمْوَاتا" تكفت أذاهم في حال حياتهم، وجيفهم بعد مماتهم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله:"ألم نجعل الأرض كفاتا"... والكفات: الضمام.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

الكفات: من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن هذا هو النوع الرابع من تخويف الكفار، وذلك لأنه ذكرهم بالنعم التي له عليهم في الأنفس، وفي هذه الآية ذكرهم بالنعم التي له عليهم في الآفاق.

ثم قال في آخر الآية: {ويل يومئذ للمكذبين} والسبب فيه ما قدمنا أن النعم كلما كانت أكثر كانت الجناية أقبح؛ فكان استحقاق الذم عاجلا والعقاب آجلا أشد، وإنما قدم تلك الآية على هذه الآية، لأن النعم التي في الأنفس كالأصل للنعم التي في الآفاق، فإنه لولا الحياة والسمع والبصر والأعضاء السليمة لما كان الانتفاع بشيء من المخلوق ممكنا.

واعلم أنه تعالى ذكر هاهنا ثلاثة أشياء أولها الأرض، وإنما قدمها لأن أقرب الأشياء إلينا من الأمور الخارجية هو الأرض.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«كفات»: على وزن كتاب و (كفت) على وزن كشف هو جمع وضم الشيء للآخر، ويقال أيضاً لسرعة طيران الطيور «كفات» لجمعه لأجنحته حال الطيران السريع حتى يتمكن من شق الهواء والتقدم أسرع.

والمراد هو أنّ الأرض مقر لجميع البشر: إذ تجمع الأحياء على ظهرها وتهيء لهم جميع ما يحتاجونه، وتضم أمواتهم في بطنها، فلو أنّ الأرض لم تكن مهيأة لدفن الأموات لسببت العفونة والأمراض الناتجة منها فاجعة لجميع الأحياء.

نعم، إنّ الأرض هي كالأُم التي تجمع أولادها حولها وتضمهم تحت أجنحتها، وتغذيهم، وتلبسهم، وتسكنهم، وتقضي جميع حوائجهم، وتحفظ أمواتهم في قلبها أيضاً، وتمتصهم وتزيل مساوئ آثارهم.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ كِفَاتًا} (25)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " ألم نجعل الأرض كفاتا " أي ضامة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها . وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه ، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه . وقوله عليه السلام : [ قصوا أظافركم وادفنوا قلاماتكم ] وقد مضى . يقال : كفت الشيء أكفته : إذا جمعته وضممته ، والكفت : الضم والجمع . وأنشد سيبويه :

كِرامٌ حين تَنْكَفِتُ الأفاعي *** إلى أجحارِهِنَّ من الصَّقِيعِ

وقال أبو عبيد : " كفاتا " أوعية . ويقال للنِّحْيِ : كفت وكفيت ، لأنه يحوي اللبن ويضمه قال :

فأنتَ اليوم فوق الأرض حَيًّا *** وأنت غداً تضُمُّكَ في كِفَاتِ

وخرج الشعبي في جنازة فنظر إلى الجبان فقال : هذه كفات الأموات ، ثم نظر إلى البيوت فقال : هذه كفات الأحياء .

والثانية- روى عن ربيعة في النباش قال تقطع يده فقيل له : لم قلت ذلك ؟ قال . إن الله عز وجل يقول : " ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا " فالأرض حرز . وقد مضى هذا في سورة " المائدة " {[15721]} . وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة ، لأنه مقبرة تضم الموتى ، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم والأموات في قبورهم . وأيضا استقرار الناس على وجه الأرض ، ثم اضطجاعهم عليها ، انضمام منهم إليها . وقيل : هي كفات للأحياء يعني دفن ما يخرج من الإنسان من الفضلات في الأرض ؛ إذ لا ضم في كون الناس عليها ، والضم يشير إلى الاحتفاف من جميع الوجوه . وقال الأخفش وأبو عبيدة ومجاهد في أحد قوليه : الأحياء والأموات ترجع إلى الأرض ، أي الأرض منقسمة إلى حي وهو الذي ينبت ، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت . وقال الفراء : انتصب ، " أحياء وأمواتا " بوقوع الكفات عليه ، أي ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات . فإذا نونت نصبت ، كقوله تعالى : " أو إطعام في يوم ذي مسغبة . يتيما " [ البلد : 14 ] . وقيل : نصب على الحال من الأرض ، أي منها كذا ومنها كذا . وقال الأخفش : " كفاتا " جمع كافتة والأرض يراد بها الجمع فنعتت بالجمع . وقال الخليل : التكفيت : تقليب الشيء ظهرا لبطن أو بطنا لظهر . ويقال : انكفت القوم إلى منازلهم أي انقلبوا . فمعنى الكفات أنهم يتصرفون على ظهرها وينقلبون إليها ويدفنون فيها .


[15721]:راجع جـ 6 ص 168.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ كِفَاتًا} (25)

{ ألم نجعل الأرض كفاتا } الكفات من كفت إذا ضم وجمع فالمعنى : أن الأرض تكفت الأحياء على ظهرها والموتى في بطنها وانتصب أحياء وأمواتا على أنه مفعول بكفاتا لأن الكفات اسم لما يضم ويجمع فكأنه قال جامعة أحياء وأمواتا للتفخيم ودلالة على كثرتهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ كِفَاتًا} (25)

ولما دل بابتداء الخلق على تمام قدرته ، أتبعه الدلالة بانتهاء{[70891]} أمره وأثنائه وما دبر فيهما من المصالح فقال : { ألم نجعل } أي نصير بما سببنا بما لنا من العظمة { الأرض كفاتاً * } أي وعاء قابلة لجمع{[70892]} ما يوضع فيها وضمه جمعاً فيه-{[70893]} فتك وهدم ، وهو اسم لما يكفت من الحديد مثلاً أي يغلف بالفضة ويضم ويجمع ، كالضمام والجماع لما يضم ويجمع ، أو{[70894]} هو مصدر نعت به أو جمع كافتة ، كصائمة وصيام أو جمع كفت وهو الوعاء ، ولو شئنا لجعلناها ناشرة لكم إذا وضعتم فيها كما تنشر النبات ، وسنجعل ذلك إذا أردنا البعث ،


[70891]:من ظ و م، وفي الأصل: على انتهاء.
[70892]:من م، وفي الأصل و ظ: لجميع.
[70893]:زيد من ظ و م.
[70894]:من ظ و م، وفي الأصل "و".