في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَهُمۡ وَهُمۡ لَهُمۡ جُندٞ مُّحۡضَرُونَ} (75)

ولقد كانوا يتخذون تلك الآلهة يبتغون أن ينالوا بها النصر . بينما كانوا هم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة أن يعتدي عليها معتد أو يصيبها بسوء ، فكانوا هم جنودها وحماتها المعدين لنصرتها : ( وهم لهم جند محضرون ) . . وكان هذا غاية في سخف التصور والتفكير . غير أن غالبية الناس اليوم لم ترتق عن هذا السخف إلا من حيث الشكل . فالذين يؤلهون الطغاة والجبارين اليوم ، لا يبعدون كثيراً عن عباد تلك الأصنام والأوثان . فهم جند محضرون للطغاة . وهم الذين يدفعون عنهم ويحمون طغيانهم . ثم هم في الوقت ذاته يخرون للطغيان راكعين !

إن الوثنية هي الوثنية في شتى صورها . وحيثما اضطربت عقيدة التوحيد الخالص أي اضطراب جاءت الوثنية ، وكان الشرك ، وكانت الجاهلية ! ولا عصمة للبشرية إلا بالتوحيد الخالص الذي يفرد الله وحده بالألوهية . ويفرده وحده بالعبادة . ويفرده وحده بالتوجه والاعتماد . ويفرده وحده بالطاعة والتعظيم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَهُمۡ وَهُمۡ لَهُمۡ جُندٞ مُّحۡضَرُونَ} (75)

القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مّحْضَرُونَ * فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنّا نَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره : لا تستطيع هذه الاَلهة نصرهم من الله إن أراد بهم سوءا ، ولا تدفع عنهم ضرّا .

وقوله : وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ يقول : وهؤلاء المشركون لاَلهتهم جند محضَرون .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : مُحْضَرُونَ وأين حضورهم إياهم ، فقال بعضهم : عُني بذلك : وهم لهم جند محضرون عند الحساب . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ قال : عند الحساب .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وهم لهم جند محضَرون في الدنيا يغضبون لهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ الاَلهة وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ والمشركون يغضَبون للاَلهة في الدنيا ، وهي لا تسوق إليهم خيرا ، ولا تدفع عنهم سوءا ، إنما هي أصنام .

وهذا الذي قاله قتادة أولى القولين عندنا بالصواب في تأويل ذلك ، لأن المشركين عند الحساب تتبرأ منهم الأصنام ، وما كانوا يعبدونه ، فكيف يكونون لها جندا حينئذٍ ، ولكنهم في الدنيا لهم جند يغضبون لهم ، ويقاتلون دونهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَهُمۡ وَهُمۡ لَهُمۡ جُندٞ مُّحۡضَرُونَ} (75)

ثم أخبر أنهم { لا يستطيعون } نصراً ويحتمل أن يكون الضمير في { يستطيعون } للكفار{[3]} في نصرهم الأصنام ، ويحتمل الأمر عكس ذلك لأن الوجهين صحيحان في المعنى ، كذلك قوله { وهم لهم جند محضرون } يحتمل أن يكون الضمير الأول للكفار والثاني للأصنام على معنى وهؤلاء الكفار ، متجندون متحزبون لهذه الأصنام في الدنيا لكنهم لا يستطعيون التناصر مع ذلك ، ويحتمل أن يكون الضمير الأول للأصنام والثاني للكفار أي يحضرون لهم في الآخرة عند الحساب على معنى التوبيخ والنقمة{[4]} ، وسماهم جنداً في هذا التأويل إذ هم عدة للنقمة منهم وتوبيخهم ، وجرت ضمائر الأصنام في هذه الآية مجرى من يعقل إذ نزلت في عبادتها منزل ذي عقل فعملت في العبارة بذلك .


[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَهُمۡ وَهُمۡ لَهُمۡ جُندٞ مُّحۡضَرُونَ} (75)

وأجري على الأصنام ضمير جمع العقلاء في قوله : { لا يستطيعون } لأنهم سموهم بأسماء العقلاء وزعموا لهم إدراكاً .

وضمير { وهُمْ } يجوز أن يعود إلى { ءَالِهَة } تبعاً لضمير { لا يستطيعون } .

وضمير { لَهُم } للمشركين ، أي والأصنام للمشركين جند محضَرون ، والجند العدد الكثير . والمحضر الذي جيء به ليحضر مشهداً . والمعنى : أنهم لا يستطيعون النصر مع حضورهم في موقف المشركين لمشاهدة تعذيبهم ومع كونهم عدداً كثيراً ولا يقدرون على نصر المتمسكين بهم ، أي هم عاجزون عن ذلك ، وهذا تأييس للمشركين من نفع أصنامهم . ويجوز العكس ، أي والمشركون جند لأصنامهم محضرون لخدمتها . ويجوز أن يكون هذا إخباراً عن حالهم مع أصنامهم في الدنيا وفي الآخرة .

وينبغي أن تكون جملة { وهم لهم جندٌ مُحضرونَ } في موضع الحال ، والواو واو الحال من ضمير { يستطيعون } ، أي ليس عدم استطاعتهم نصرهم لبعد مكانهم وتأخر الصريخ لهم ولكنهم لا يستطيعون وهم حاضرون لهم ، واللام في { لَهُم } للأجَل ، أي أن الله يحضر الأصنام حين حشر عبدتها إلى النار ليُري المشركين خطَل رأيهم وخيبة أملهم ، فهذا وعيد بعذاب لا يجدون منه ملجأ .